يشهد حزب "نداء تونس" استحقاقات سياسية صعبة ومتتالية، بدأت تتصاعد وتيرتها وحجمها في الفترة الأخيرة، وأدت بالحزب الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة (أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، إلى مراقبة حركة احتجاجية لافتة لمجموعة من كوادره، أمام مقره الرسمي في تونس العاصمة. يبقى الأهم في ما يحصل هو إمكانية عودة رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، إلى الساحة من بوابة رئاسة "نداء تونس"... ربما تمهيداً لتولي الرئاسة بعد نهاية ولاية الباجي قائد السبسي.
وأدت حركة الاحتجاج الأخيرة إلى اتخاذ جملة من القرارات الهامة، طالب بها المحتجون من داخل الحزب، وأبرزها "تشكيل مكتب سياسي يتولى إدارة شؤون الحزب حتى عقد مؤتمره المقبل". وعلمت "العربي الجديد" في هذا الصدد، أن "المؤتمر قد يتأجل من شهر يونيو/حزيران إلى شهر سبتمبر/أيلول من العام الحالي".
وأفاد مصدر مطلع من "النداء"، لـ"العربي الجديد"، أن "تكوين المكتب السياسي وانتخاب ممثليه يُعدّ بروفة مصغرّة للمؤتمر المقبل، الذي لن يكون باليسر الذي قد يتصوره البعض، لا بل سيعكس بشكل واضح حالة الصراع بين مراكز القوى داخل الحزب". وأضاف أن "خطوة المكتب السياسي ضرورية لفهم تركيبة الحزب وتياراته وما تمثله فعلياً من قوة، بعيداً عن التأثير الإعلامي والأصوات العالية".
وتبدو هذه المحطات المتكررة من الصراعات داخل "النداء"، نتيجة طبيعية لـ"حرب خلافة الرئيس الباجي قائد السبسي" التي انطلقت منذ تأسيسه، كون الحزب، أُنشئ، كما يجمع أغلب المتابعين حول شخص السبسي منذ البداية، ولم يكن نتاجاً لحركة فكرية أو أيديولوجية معينة، بدليل الخليط السياسي الذي يمثله.
وطُرحت تساؤلات كثيرة عما سيؤول إليه الحزب بعد خروج السبسي منه بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، وأدّى انتقاله إلى قصر قرطاج واصطحابه أغلب كوادر الحزب معه كمستشارين، إلى ترك حالة من الفراغ الإداري الواضح في الحزب، ما أدى إلى إطلاق العنان للطامحين في السيطرة على مفاصل الحزب.
ويطرح هذا الموضوع بين الندائيين تقييمات مختلفة لمراكز القوى والشخصيات المؤهلة لحسم هذا الصراع لصالحها، عشية انعقاد المؤتمر الأول للحزب، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل عقد مؤتمره التأسيسيّ، في حالة سياسية فريدة، تثبت تصويت التونسيين لشخص السبسي لا الحزب. وقد لا يستمرّ الحزب في حال عدم تمكنه من افراز قائد بديل للسبسي، قادر على وراثة المكانة عينها، وإدارة هذا الحجم الكبير من التناقضات.
وفي استعراض الشخصيات الأبرز المؤهلة من داخل الحزب للاضطلاع بهذه المهمة، يطرح الندائيون بعض الأسماء، وأولها الأمين العام الطيب البكوش، غير أن بعض المصادر أكدت لـ"العربي الجديد"، أن "البكوش لا يحظى بتأثير كبير داخل الحزب، تحديداً لدى القواعد، وتأثيره لا يتعدى بعض مناصريه داخل المكتب التنفيذي".
وتستدلّ المصادر على "عدم قدرة البكوش على التسويق لموقفه من الحكومة، على الرغم من مجاهرته في معارضة دخول حركة النهضة إلى الحكومة". وأكدت المصادر أن "تأثير البكوش سيتضاءل مع انتقاله إلى وزارة الخارجية، وهو تعيين قد يخفي رغبة حقيقية من البعض، في زيادة المسافة بينه وبين الحزب، خصوصاً بعد معارضته السبسي في الاختيارات الوطنية الكبرى، وهي معارضة لن تمرّ من دون ثمن، سيدفعه البكوش عاجلاً أو آجلاً".
وتؤكد المصادر أن "الرجل القوي الحقيقي داخل الحزب في هذه المرحلة، هو رضا بلحاج مدير الديوان الرئاسي الذي تولى إدارة الحزب، وقاد من خلف الستار مراحل تشكيل الحكومة، وعيّن بديله في الحزب واحداً من المقربين منه، وهو بوجمعة الرميلي".
تبقى المفاجأة، في ما طرحه قيادي بارز من "النداء"، في تأكيده لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب قد يلجأ إلى البحث من خارجه، عن هذه الشخصية الفريدة التي تتوفر لها من الشروط ما لا تتوفر عند غيرها من الداخل"، مؤكداً أن "همساً يتمّ التداول به داخل بعض الصالونات الضيقة للنداء، في شأن انضمام رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة إلى الحزب لقيادته قريباً".
وتُعدّ الخطوة في غاية الأهمية إن حصلت، لكون جمعة، هو الشخصية الأكثر شعبية في تونس حالياً (67 في المائة في آخر استطلاع)، ونالت حكومته رضا نسبياً لدى التونسيين، على الرغم من التقييم السلبي لبعض المنظمات لأدائها، وفشلها بالنسبة إليهم في الإيفاء بالتعهدات المرسومة.
ويشير القيادي إلى أن "جمعة لا يمكن أن ينهي مستقبله السياسي، وأن يضع خطاً نهائياً لمغامرته السياسية الشخصية، بمجرد خروجه من الحكومة، وخصوصاً أنه عبّر في خطاب توديعه، عن أنه سيظلّ دائماً في خدمة تونس متى دعته إلى ذلك".
وقد تُشكّل الخطوة، إذا حصلت، نقطة العودة لجمعة إلى الساحة السياسية مع التطورات الحزبية الأخيرة، ولا يُمكن أن تكون إلا عبر بوابة حزبية، أكان عبر "نداء تونس" أو في تأسيس حزب جديد، غير أن الحلّ الثاني مكلف ومتعب، على أن الخطوة لن تكتمل إلا بموافقة السبسي. ويرى مقربون من صناع القرار في تونس، أن من شأن ترؤس جمعة، الحزب، إن حصل، لن يكون سوى تهيئة أو مقدمة لخوضه الانتخابات الرئاسية المقبلة التي، إن حصلت اليوم، فهي لن تؤدي سوى إلى فوز جمعة.