خراطيم المياه تواجه المدرّسين المتعاقدين في المغرب

25 مارس 2019
إصرار على المواجهة (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

بلغ التوتر بين المدرّسين المتعاقدين في المغرب وبين السلطات الحكومية حداً غير مسبوق، عندما قرّر مدرّسو القطاع العام هؤلاء الاعتصام ليل السبت - الأحد أمام مقرّ البرلمان، وسط العاصمة الرباط، مطالبين بعقود عمل دائمة، فتدخّلت القوات العمومية لفضّ الاعتصام، مستعينة بالهراوات وبخراطيم المياه ثمّ مطاردتهم بالدراجات النارية. "ليلة بيضاء"... "ليلة التنكيل بخيرة كوادر البلاد"... "ليلة القبض على الأستاذ"... "ليلة نضالية تاريخية"... مسميات كثيرة أطلقها المدرّسون المحتجون على ليل السبت - الأحد، وكذلك فعلت وسائل الإعلام التي تابعت تحرّكهم الاحتجاجي والمواجهات على مدى ساعات.

كل شيء بدا سلمياً بداية؛ آلاف المدرّسين الذين يعملون في القطاع العام بعقود عمل محدّدة الأجل، تجمّعوا، مساء السبت الماضي، بعد مسيرة جابوا خلالها شوارع العاصمة عصراً، مطالبين بدمجهم في الوظيفة العمومية تحت سقف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بدلاً من العمل وفق نظام الأكاديميات التعليمية. وقد رفع هؤلاء، وارتدى عدد منهم سترات بيضاء، شعارات مألوفة تطالب بضمان كرامة المدرّسين المغاربة، وكذلك برحيل وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، وبإسقاط نظام التعاقد نهائياً والدمج في الوظيفة العمومية، وغيرها. ومع حلول الظلام، أضاؤوا الشموع وهواتفهم المحمولة واستمرّوا في هتافاتهم التي اخترقت سكون ليل المدينة، في حين كانت قوات الأمن العمومية تراقب ما يجري عن كثب.

وصلت مسيرة المدرّسين المتعاقدين إلى ساحة باليما المقابلة لمقرّ البرلمان، وبدأ هؤلاء يتهيأون لقضاء ليلتهم هناك وفق ما هو مقرّر في برنامجهم الاحتجاجي. حاولت قوات الأمن ثنيهم عن الاعتصام أمام البرلمان، من دون فائدة. تقدّم مسؤول أمني لتنفيذ ما يقتضيه القانون في مثل هذه الحالات، وطلب من المحتجين بواسطة مكبّر للصوت إنهاء اعتصامهم، غير أنّهم تجاهلوه. وبعد مفاوضات طالت، عمدت القوات الأمنية إلى تفريقهم بالقوة. انفجرت الأجواء المشحونة وسُجّلت عمليات كرّ وفرّ وسط هتافات. ووجّهت قوات الأمن خراطيم المياه صوب المدرّسين المتعاقدين الذين حاولوا الصمود في وجهها، بينما سقط بعضهم أرضاً نتيجة ضغطها القوي. أثار الأمر حفيظة المدرّسين الذين أصرّوا على الوقوف، قبل أن تبدأ دراجات أمنيّة بمطاردتهم لتفريقهم من أمام مقرّ البرلمان. وهذا ما حصل في الساعات الأولى من أمس الأحد.




تفيد مصادر مسؤولة من داخل "تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد" بأنّ "التدخّل الأمني في وجه الاعتصام أدّى إلى إصابة أكثر من 50 شخصاً في مناطق مختلفة من أجسادهم، وعدد منهم ما زال في المستشفى، في الوقت الذي أكّدت فيه مصادر أمنية أنّ التدخّل جاء وفق الضوابط القانونية من إشعار وإنذار جُوبه بالرفض والاستفزاز". وفي حين تقدّر مصادر التنسيقية نفسها عدد المدرّسين المتعاقدين المحتجين الذين وفدوا إلى العاصمة الرباط بأكثر من 40 ألفاً، يقول مصدر أمني مسؤول، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العدد اقتصر على بضعة آلاف"، مضيفاً أنّه "لم يكن التدخّل ممكناً في البداية أمام التكتل البشري الموجود، حتى لا تقع أمور لا تُحمد عقباها، لذا جرى التعامل مع الموقف بكياسة وفطنة وبالتدابير القانونية المفروضة".

لم يثنِ الفضّ الأمني لاعتصام المدرّسين المتعاقدين المحتجين عن تنظيم مسيرة، أمس الأحد، دعت إليها نقابات تعليمية وحقوقية عدّة. ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بإصلاح التعليم وضمان تكافؤ الفرص، ودعوا كذلك الحكومة إلى فتح قنوات الحوار مع المدرّسين المتعاقدين، من أجل ضمان مستقبلهم، ولتلافي سنة دراسية بيضاء. في السياق، يقول المدرّس عصام برقيق، وهو عضو "تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المحتجين كانوا يتوقّعون فضّ احتجاجهم السلمي والحضاري، لكنّ ذلك لن يردعهم عن مواصلة النضال المقرّر في برنامجهم الاحتجاجي، فهذا النضال لن ينتهي إلا بتلبية الحكومة مطلب الدمج في الوظيفة العمومية وعدم الالتفاف على المطالب".




وكانت الحكومة قد ردّت بطريقة حاسمة على المدرّسين المتعاقدين، يوم الخميس الماضي، عندما صرّح رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بأنّ "الحكومة مضت، وبإرادة، إلى أبعد ما يمكن، في ما يتعلق بإصلاح النظام الأساسي لأساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين"، مشدداً على "عدم التراجع عن خيار التوظيف الجهوي"، وهو ما يرفضه المدرّسون المتعاقدون الذين يطالبون بدمجهم في الوظيفة العمومية بعقود دائمة. تجدر الإشارة إلى أنّ ملامح سنة بيضاء ترتسم في الأفق مع استمرار إضراب المدرّسين المتعاقدين، وهو ما جعل هيئات وجمعيات تحذّر من هذا السيناريو الخطير، إذ إنّ الإضراب يتسبب في خسارة آلاف التلاميذ تعليمهم، وربما ضياع سنتهم الدراسية، الأمر الذي ردّ عليه المحتجون مؤكدين أنّهم يضمنون تعويض الحصص الدراسية. من جهته، صرّح رئيس الحكومة بأنّ وزارة التربية الوطنية تعمل على اتخاذ كل الإجراءات والتدابير، بهدف إكمال التلاميذ سنتهم الدراسية بطريقة جيّدة، في حين باشرت الوزارة الوصية بالاقتطاع من رواتب المدرّسين المتعاقدين المضربين من أجل ثنيهم عن الغياب.

دلالات