خذ السكين وأخرجني من جوفي

16 يوليو 2015
آيدا عميدي
+ الخط -

(1)
أخفيتُك عن مدينةٍ صلبتْ نفسَها.
قَصّـوا ضفائري
دون أن يتفتح لسانُكَ الصغير على معجزة
إذا ما كنتَ اليسوع.
لم يكن لديّ
لأحمل جمالي ولا جنّازي معاً.
أغنياتٌ حـزينةٌ تقرّبُني من حصار العالم
ومَن عذّبني
ما زالت يدُه في يدي.
دون أن تسفكَ دماً
دون أن تضيّع جندَك في موج البحار
اصنعْ لي عكازاً
عد بي إلى ذلك الشارع المزدحم
ولا تتركْ شيئًا منك
سوى تجاعيد عمياء على جبيني.

(2)
لم يعدْ لديكَ وقتٌ
لكي تُخرجَ جنّازك من بين سطوري.
أنت قد تبرعمت فيّ
بشكلك العظيم ذاك
وملاكٌ جديدٌ قد اخضرّ على كتفك.
أعرفُ أنّكَ في مكانٍ ما من هذه القصيدة
وكلماتي غير مستقرة
توسوسها الشفرة
على الطاولة.

(3)
لم يبق شيءٌ
سوى أنت ورغبة موتٍ تنبضُ في أقدامي
سوى أنت والدائرة المرتجفة التي طويناها
سوى أنت والشرنقة التي نسجتَها حولي.

(4)
في داخلك مجنونٌ أحرق أصابعي
وكَتَبَ قصائد من أجل جمالي.
وفي داخلي شاعرة مسنّة
تعدّ طاولة المساء
وعند كل خبطة قدمٍ
تهرعُ إلى الباب.

(5)
كوبٌ مكسـورٌ
وقطراتُ الشاي على الأرض
اتخذت خططًا جديدة.
بإمكاني أن أسقط أرضاً
حتى ترفعني
لكنني أنحني
لأصب الشاي في كوبٍ آخـر
وأشاهدكَ أنت
غارقاً في نومه.

(6)
قد جرحتني الكلمات
لكنني لا أستطيعُ كتابة الشعـر
في هذه الغرفة الصغيرة.
عد بي إلى بحريَ في الجنوب
إلى جرحٍ لا ينتهي
وقد طوى جسدي كلّه
ويريد الآن
أن يتركني إلى الأبد.

(7)
ليس بإمكانكَ أن تأتي إلى العالم
أن تعدو
أن تصـرخ
أن تفرّط الأزهار.
ينبغي أن يبقى كلّ شيء على حاله
أثرُكَ غير المرئي على السجاجيد
أثرُ نظرتك على المزهريات
وقهقهاتُك
وقت إغلاق الباب.

(8)
كيف أُصدّق أنّك كنت نصفي الضائع
التمثال القديم
الذي لن يرفع النظر
عن الأرض
وأنا التي تلاعب الهواءُ
بضفائرها
وضعت رأسها
على كتف رجلٍ
لم يشوّهْ نومَه صوت.

(9)
هنا بيتي
وهذه الكلمات
لستَ أنت من منحها لي.
قد نحتُّ هذه القصيدة
من ضجري كلمة ـ كلمة
من صوت انفتاح الجرح
على جسدي
من الهدير الأعرج
لحروفٍ نازفة.
قبل أن تذهب
أطفئ المصابيح
وذقْ طعميَ المُرّ
في الظلام.

(10)
قصيدة من الشاطيء الرمل
وشمسٍ ساطعة
من شناشيل على مشارف البحر.
أنت واقفٌ على الشاطئ
تشاهد لهوَ الريح بضفائري
وأنا أداعب كلماتي
وأنسى نهاية القصيدة.

(11)
أين من العالم ــ عالمي ــ
غدوتُ نسياً
حيث لم يعرفني طفلي.
انسَ المشي على الماء
وإحياء الموتى
والمجازر المضيئة.
فـرّت الأرض من تحت أقدامنا
الدعاء بدل العشب
الدعاء بدل الماء والمعلف والجزار
الدعاء بدل الدعاء.

(12)
في يدكَ نهارٌ
نهارُ طويلٌ
تمشي فيه امراةٌ بردائها الطويل
ضفائرها الطويلة
تدور في الريح
وتضحك هادئة معك.

(13)
حين تغيب في التراب
خنصرُكَ
يُرعِشُ سقف بيتي.
في جانبك
صوتيَ عشبٌ
يرتعشُ في الزاوية الأكثر عتمةً من البيت.

(14)
أشهرت الريحُ سكّينَها
وهجمت على وجهي
الوجه الذي
تواريتُ به في الظلام.
عدْ
وفكّر في نهايتي
خذ السكين من يد الريح
وأخرجْني
من جوفي.

(15)
أنت ذهبت
وساعة الجدار توقفت عن الحركة
تدور العقاربُ
في قلبي
تشقّ لحمي ودمي
والزمن
الزمن
الزمن
ليس شيئًا أستطيع أن أوقفه.

(16)
تأجّلت أزهار النرجس
والشتاء يمثّل دورَ الخريف
وقبلاتُكَ
لها طعمُ عالمٍ
انهارَ قبل آلاف الأعوام.
ينبغي أن أغمضَ عينيّ
لعل هذا الكابوس
يضيعُ في متاهات نومٍ عميق.

(17)
مفـاجأة، تغدو أنت شجرة
لها أغصانٌ خضراء
تنبت في سلالم بيتي.
أغادر فراشي
لأنام حافيةً ومرتجفة
على سلالم البيت.

(18)
أنحدرُ عميقاً في وحدتي
مجيئُك لا يظهِرُ غضوناً
على جبين هذه المستنقع.
أعود من حربين
واحدة محترقة
وأخرى متقطعة ودامية.

(19)
منوجهـر آتشي*
تعالْ وقلْ شيئاً
للعصافير الطاعنة في السنّ
تلك التي طارت عن طاولتي
تعالْ، بحنانك العاجل تعالْ
تعالْ
لكي أشبّه عينيك بغابةٍ ضائعة
فأرى
يستظلّ وجهُكَ بقبّعتك
ودخانُك قد ذهبت به الريح.
ـــ
* منوجهر آتشي من أهم الأصوات الشعرية في إيران

(20)
كلّ عامٍ أخرج من شرنقتي
بحالةٍ غريبة
يتزحلق جسدي من أحضانك
وصورتي المرتعشة في الماء
تفقد روحَها.
ممَ أطلبُ أن يعيدني منك؟
الأرضُ تفرُ من تحت قدمي
نصفٌ من القمر يسقط في المياه
والنصفُ الآخـرُ
يضيع في فم السماء.
ماذا أفعل بالذرات الدائرة التي صنعت العالم؟
ماذا أفعل بالعالم
إذا ما توقفت تلك الذرات الدائرة؟
أنا محكومٌ عليّ أن أجلس تحت شجرة التفاح
دون أن تخدعني جاذبيّة الأرض
محكومٌ عليّ أن أكونَ غبارًا
من رأى أن غبارًا ينجبُ طفلاً
يلجأ من كوكبٍ إلى آخـر؟
الذراتُ المتضائقة لذاكرتي قد غادرتني
لم أتذكر بعد
عالمًا أنشدته في ظلام
ولا طفلي
ولا يرعاتي الحزينة التي
أتت معي إلى قلب الأرض.



* ولدت آيدا عميدي في طهران عام 1980 وتعود أصولها إلى الجنوب. صدرت لها مجموعتان شعريتان؛ "أترك جمالي خلف الباب" عام 2008 وهذا العام صدر لها "جيش الكلمات المهزوم". 

** ترجمة عن الفارسية حمزة كوتي 
دلالات
المساهمون