ختان طفولة

10 ديسمبر 2016
+ الخط -
يأتي التخلّف نتيجة للجهل، وختان البنات أكبر جهل ما زالت تمارسه العرب باسم الدين والرسول الكريم. العفة والطهارة في العقل، وليس في إزالة عضو مهم في جسم المرأة له دور هام، فارتقوا في التفكير وكفاكم تقليداً وعادة، فقد ألفتم الجهل حتى ألفكم.
لم يستطع بعضهم تجاوز غلاف الجسد ليصل إلى محتواه، حيث تتداخل قلّة الوعي بالجهل المستشري، ليصبح ختان البنات مجرّد عادة لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، وثقافة متجذرة، والغاية منها السيطرة على أجزاء النساء وضبط الاشتهاء وميزان الحس الجنسي عند الفتاة.
هناك قوانين تجرّم الجاني الأساسي، وهو الدكتور، في حين يأخذ الأب مقابل مادياً، لكننا نجد قوانين أخرى تجرّم الإثنين معاً في آن واحد، فكيف يشرّع القانون تجريم ختان البنات من غير آليات تنفيذ؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذا الفعل الشنيع؟ وهل تغليظ العقوبة يحدّ من هذه الجريمة؟
ينتج عن الختان أضرار ومضاعفات عديدة، حيث أن قطع البظر يؤدي إلى نزيف قد ينتهي بفقر الدم أو الوفاة، وبقيت هذه العمليات والتجاوزات منتشرة في ذهنيات المجتمع، بما أنّ العادات تكاد تكون فوق القانون والدين والقناعة بهذا الجرم أقوى من قوانين القضاة والمحاكم.
لذلك، هذه القوانين محتاجة لبعض التعديلات، لأن الحالة الوحيدة للتبليغ هي موت البنت. من دون ذلك، لا يملك آخرون الجرأة على التبليغ، وليس تكتماً عن الموضوع، لكن جرّاء الفهم المرسّخ أنّ هذا الجزء في جسد المرأة رادع أخلاقي لعدم الانحراف ونوع من الطهارة والعفة، في حين هو قطع متعمّد، بهدف تقليل النشوة الجنسية وتعقيل المرأة، وهذا يدخل في إطار ثقافة إلقاء اللوم على النساء، كما أنّه تحليل لا يعبّر عن وعي مجتمعي فصيح، لأنّ أصل الشهوة ومنشأها في العقل وليس في قطعة جسد.
سؤال يطرح نفسه: هل البنت على دراية وافية وشافية بما يحدث معها؟ هل هي ضحية أم ضمن حلقة عنف؟ لماذا لا يتم تحريم الختان، وليس فقط إبداء رأي والتنديد بعدم مشروعيته؟
مجتمع يعتبر جسم المرأة ملكاً له، وحفاظاً على شرف العائلة. لذلك، يجب أن يخضع لتغيير الذهنية، وليس عن طريق طرح الإشكالية والتناظر فيها. لكن، علينا الوصول إلى عمق المشكلة من منظورها الديني، الصحي، الأخلاقي، الاجتماعي.
جاء هذا العرف من معتقدات ضعيفة بأنّ انتزاع هذا الجزء ينزع الشهوة، وهناك بتر كلي وطمس لمعالم الأنثى، فنحن نعاني من مشكلة كبيرة في الثقافة الجنسية، وخصوصاً قضايا الجسد النابعة من تخلّف فكري، ينتهك باستمرار حقوق المرأة، ويثير ضجيجاً نحن في غنى عنه.
مناهضة هذه الجريمة بمثابة الأمر، وهدف القاعدة الشرعية تكريم النفس البشرية للمرأة وحماية الفتيات من براثن الانحلال الاخلاقي والتدهور الصحي، حتى لا تبدأ بمرحلة خسارة الأحلام والصحة، لتصل في النهاية إلى خسارة كلّ شيء، ولربما حياتها.
من أعظم الجرائم التي تولّدها المجتمعات المتخلّفة هو الدمار النفسي المؤلم للأنثى، باعتباره القاتل الصامت لبهجتها والحقيقة غائبة ومختبئة خلف كواليس موروث اجتماعي منتشر، خصوصاً المناطق الريفية، وترجع أسبابه إلى الفهم الخاطئ للدين والتقيّد بالتقاليد والأعراف البالية، فكيف نطمح إلى تنشئة جيل واع ومتعلّم دون تعليم الأصل؟
يعبر ختان الأنثى عن واقع صادم لقاصرات يتم ختانهنّ، تمسّكاً بالتقاليد والعادات الراسخة لدى القبيلة وترك البنت لأحكام الأعراف يجعلها واهية وصورة فضيحة حقيقية واقعية تجسّد اغتيال الطفولة ودوساً لأبسط حقوق الطفلة البريئة.
وأهمية هذا الموضوع تماثل أهمية حرية المرأة في المجتمع، وقد تحتاج إلى حزم مضاعف لإتاحة التوعية المدروسة التي قد تعترضها بعض الصعوبات منذ البداية، ولا ينبني الأمر على وداعة تشرّع في تربية تقضي على هذا الخلاف نهائياً بحكم أنّ هناك خط حدود مرسوم للوعظ والإرشاد في بعض هذه الأوساط، وإذا تجاوزت الخط تحرّكوا لإيقافك.
من الصعب توعية مجتمع أمّي جاهل، ما لم تبدأ بمحو أميته، لأنّه عندئذ سيكون من السهل توعيته بشأن أيّ قضية، وأشدّ هنا على أيدي الحكومات والأنظمة بأنّ تدعم برامج محو الأمية في مختلف المناطق، وأتمنى من وسائل الإعلام المختلفة أن تسلط الضوء على هذه الكارثة، فالحقيقة أنّ الإعلام حتى الآن لم يقم بدوره كما يجب تجاه كارثة ختان الإناث.
F128D09A-DE8A-458E-AA5A-DA4096BB82D2
F128D09A-DE8A-458E-AA5A-DA4096BB82D2
عفاف الدريدي الرميلي (تونس)
عفاف الدريدي الرميلي (تونس)