منذ أن سلم الأردن نفسه إلى صندوق النقد الدولي في عام 1989، وبدأت مسيرة تخلي الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية تجاه المواطنين، حرصت الحكومات المتعاقبة على إبقاء الخبز في منأى عن إملاءات الصندوق، من منطلق فهمها العميق للآثار المترتبة على الاقتراب من الخط الأحمر، والذي سيكون أقل أثمانه رحيلها تحت ضغط الشارع.
وزاد في خشية الحكومات المتعاقبة في العشرين سنة الأخيرة من المساس بأسعار الخبز، الاحتجاجات التي أعقبت إقدام حكومة عبد الكريم الكباريتي في عام 1996 على رفع الدعم عن الخبز، وعرفت بـ"انتفاضة الخبز".
وهي انتفاضة لم يحد من فعاليتها الدعم النقدي الذي صرف للمواطنين لتعويضهم عن ارتفاع الأسعار، وتواصلت إلى أن تراجعت الأسعار بما حقق حالة من الرضا الشعبي رغم عدم عودتها إلى سابق عهدها.
خلال السنوات التي أدير فيها الاقتصاد الأردني بناءً على وصفات صندوق النقد الدولي، طاولت ارتفاعات الأسعار غالبية، إنْ لم يكن جميع السلع، ومن بينها سلع أساسية، من دون أن تشهد البلاد احتجاجات بالمعنى الحقيقي رغم الامتعاض الشعبي، والسر في ذلك المحافظة على الخبز ملجأ أخيراً للفقراء حتى لا تصبح بطونهم خاوية.
اليوم تتجه حكومة هاني الملقي لإسقاط الخبز من خانة "الخطوط الحمراء"، وتهيئ الرأي العام لقرار وشيك برفع الدعم، ما يعني بشكل عملي مضاعفة السعر، وسط تعهدات بتقديم تعويضات مالية للمواطنين تنفيذاً لسياسة توجيه الدعم لمستحقيه، والتي أثبتت التجارب التاريخية مع الحكومات أنها لا تتعدى استراتيجية مؤقتة يتم اللجوء إليها للتقليل من الارتدادات المتوقعة على قراراتها في انتظار اللحظة المناسبة للتنصل منها.
تخطئ الحكومة إذا تعاملت مع الخبز بمنطق اقتصادي مجرد من الأبعاد الاجتماعية والسياسية، ذلك أنه أقوى بيان سياسي يمكن أن يفجر الوضع.