نقلت رويترز عن خبراء اقتصاديين ودبلوماسيين وسياسيين أنه يتعين على حكومة لبنان التغلب على مخاوفها والتوصل إلى اتفاق إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، وإلا فستواجه خطر انهيار اقتصادي ومزيداً من الاضطرابات.
وفي أحاديثهم غير العلنية، يقر بعض مسؤولي الحكومة بأن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي هي الحل الأكثر منطقية لأزمة لبنان الاقتصادية، وذلك بحسب مصدر على دراية بالمناقشات الجارية.
لكن لتنفيذ برنامج إنقاذ مثل هذا سيكون على الحكومة الجديدة التغلب على اعتراضات من حزب الله، المدعوم من إيران وصانع القرار القوي في حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، وحلفائه الذين يساورهم القلق حيال الإجراءات التقشفية التي ستنطوي عليها خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
وبينما تستمر أزمة لبنان المالية وتتضاءل الإيرادات الحكومية، ترتفع فاتورة إنقاذ البلاد. ويشير تقدير وزير الاقتصاد السابق ونائب حاكم المصرف المركزي سابقاً ناصر سعيدي إلى أن الاقتصاد سيحتاج إلى 30 مليار دولار و25 مليار دولار إضافية لإعادة رسملة النظام المصرفي.
وقال سعيدي: "لبنان بحاجة إلى سيولة خارجية، ليس فقط من أجل ميزان المدفوعات، وإنما أيضاً للحكومة... لذا فإن الحزمة الخارجية وبرنامج الإصلاح من صندوق النقد الدولي، الذي يأتي مع جميع الإصلاحات المرتبطة به والتي نحتاجها، في غاية الضرورة".
يقترب موعد سداد سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار تستحق في 9 مارس/ آذار، ويقول اقتصاديون ومحللون إنه على الرغم من أن لبنان من المتوقع بشكل كبير أن يعيد هيكلة ديونه المقومة بالنقد الأجنبي، فإن من المستبعد أن يكون ذلك كافياً للتعامل مع عبء الديون بالكامل.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى وصول دين لبنان العام إلى 155% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2019، وهو أحد أكبر أعباء الديون في العالم.
ومن شأن أي خطوة لإعادة الهيكلة أن تزيد الضغوط على البنوك المحلية، والتي باتت بعد سنوات من تحويل ودائعها إلى الدولة منكشفة على الدين السيادي اللبناني الذي يبلغ تقريباً مثلي قاعدة رأسمالها.
وقد تبحث الحكومة إجبار المودعين على تحمل خسائر كطريقة أخرى لتخفيف العبء. لكن النظام المصرفي اللبناني مبني على اجتذاب ودائع من الخارج، والاستيلاء على مثل تلك السيولة سيجعل الأمر أكثر صعوبة على لبنان لجذب عملة صعبة في المستقبل.
وتشهد البنوك بالفعل انخفاضاً في الودائع، على الرغم من الفرض الفعلي لقيود على رؤوس الأموال للمدخرين العاديين، والحاجة الملحة إلى إعادة ملء ميزانياتها العمومية.
وعيّن لبنان بنك الاستثمار الأميركي "لازارد" ومكتب المحاماة "كليري غوتليب ستين أند هاملتون" الأسبوع الماضي لتقديم المشورة.
لكن مع ارتفاع التضخم إلى 30% وانخفاض قيمة العملة بنسبة 40% منذ أكتوبر/ تشرين الأول وزيادة عدد العاطلين يومياً، يقول محللون إن السبيل الوحيد للحصول على عشرات المليارات من الدولارات التي يحتاج إليها لبنان حالياً هو اتفاق كامل مع صندوق النقد الدولي.
وقال توفيق كسبار، وهو خبير اقتصادي سابق للحكومة والمصرف المركزي، إن "صندوق النقد الدولي يفتح أبواب المساعدة الدولية. لا مفر من برنامج من الصندوق. من المرجح أن يوافق حزب الله في نهاية المطاف على خطة صندوق النقد الدولي لأنه ليس لديه خيار آخر. سيكون البديل أزمة سياسية واقتصادية خطيرة".
الحكومة قالت سابقاً إنها تعكف على خطتها الخاصة للإنقاذ دون اللجوء إلى برنامج من صندوق النقد الدولي وإنها تسعى فقط إلى مساعدة فنية من الصندوق، فيما قال مسؤول بارز في حزب الله إن الشروط التي تفرضها أي خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي ستشعل اضطرابات اجتماعية.
وقال النائب المنتمي لحزب الله، حسن فضل الله، لرويترز إن "الموقف ليس من الصندوق كمؤسسة مالية دولية، بل من الشروط المعروضة على لبنان، لأنها تؤدي إلى ثورة شعبية. موقفنا هو رفض الشروط التي يتضمنها برنامج صندوق النقد الدولي، سواء جاءت منه أو من أي جهة أخرى".
وامتنع صندوق النقد عن التعقيب، لكنه أشار إلى بيان من الأسبوع الماضي عندما قال إن خبراءه أجروا على مدى 5 أيام محادثات "قيّمة ومثمرة" مع السلطات اللبنانية، وإنه على أهبة الاستعداد لإسداء مزيد من المشورة الفنية في ظل صياغة الحكومة اللبنانية خططها للإصلاح الاقتصادي.
خطة بديلة؟
يقول محللون إنه يتعيّن على حزب الله تخفيف موقفه، لأن قاعدته الانتخابية الشيعية، وخصوصاً أولئك الذين تعج بهم قوائم الرواتب العامة، ستكون من بين الأكثر تضرراً من انهيار اقتصادي، ولأن صندوق النقد الدولي هو البديل الوحيد لتلك النتيجة الخطيرة.
وقال آلان عون العضو البارز في حزب التيار الوطني الحر الذي يمثل المسيحيين، وحليف حزب الله "إذا لم تُتخذ القرارات الصحيحة العقلانية، فهناك انهيار كبير آتٍ، ومن غير المعروف ماذا سينتج عنه: هل سيكون لبنان كما هو أم لبنان آخر".
عون أضاف أن "الثمن سيكون باهظاً جداً للنظام اللبناني، أكبر من مجرد تغيير للحكومة"، مضيفا أنه حتى الآن لم يقدم أي حزب بديلا معقولا لبرنامج صندوق النقد الدولي.
وامتنع فضل الله من حزب الله عن الرد على سؤال بشأن كون برنامج صندوق النقد الدولي السبيل الوحيد لتفادي كارثة اقتصادية. ويُعتبر الفساد وسوء الإدارة السببين الجذريين لمشكلات لبنان وأزمته التي شهدت احتجاجات بالشوارع ضد النخبة الحاكمة، ويمثل أخطر تهديد لاستقرار البلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وأثارت محاولة من جانب الحكومة السابقة لزيادة الإيرادات عبر فرض ضرائب على إجراء المكالمات عبر تطبيق واتساب مظاهرات حاشدة دفعتها في النهاية للاستقالة. لكن صفقة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، التي ستستلزم إصلاحات هيكلية، قد تتيح أموالا من مصادر أخرى.
وعلّق مانحون أوروبيون بقيادة فرنسا، التي سبق أن قادت جهودا سابقة للتأكد من قدرة لبنان على السداد واستقراره، حزمة قروض بقيمة 11 مليار دولار للبنية التحتية جرى الاتفاق عليها في 2018 بسبب غياب جهود جادة لإصلاح الاقتصاد.
وقال دبلوماسيون أوروبيون إنهم تجنبوا دعوة لبنان إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، قائلين إن ذلك يجب أن يكون قرارا لبنانيا، لكنهم شددوا على أن أي تمويل غربي طارئ للبنان لن يكون إلا في إطار برنامج من صندوق النقد.
وأشاروا إلى أن المسؤولين اللبنانيين يواجهون صعوبة كبيرة في إقناع المانحين، الذين ضخوا في السابق مساعدات بمليارات الدولارات، بتصديق استعدادهم لتطبيق خطة الإصلاح بأنفسهم.
أحد أولئك الدبلوماسيين قال: "إذا لم يروا أنهم بحاجة إلى صندوق النقد الدولي، فهم بحاجة إلى السير بشكل مختلف لكن ليس لديهم خطة بديلة... إنك تتحدث إلى شخص على وشك الغرق".
(رويترز)