يُعتبر خان الحلو في اللد القديمة من أقدم المعالم العربيّة الفلسطينيّة الصامدة، ولو جزئياً، منذ النكبة، إذ لم "ينل" نصيبه من الدمار الذي عمّ عام النكبة في المدينة القديمة والعريقة والتي كانت شريان الحياة الرئيس آنذاك، ولكنّه هُجّر مثل باقي المعالم التاريخيّة الرئيسيّة مثل مصبنة آل الفار ودار البلديّة الفلسطينيّ.
رغم النكبة والتهجير عام 1948، بقي في اللد ما يقارب الألف فلسطيني عربي، عاشوا تحت الحكم العسكريّ كباقي المدن الرئيسيّة التي أفرغت من أهاليها العرب. ومع مرور السنوات ازداد عدد سكّان اللد الأصليين والمهاجرين (من بدو النقب الذين انتقلوا للعيش في اللد في الخمسينيات) وأصبح الآن عددهم ما يقارب العشرين ألفاً، ليصبحوا تقريبًا ثلث عدد السكّان، الأمر الذي يزعج القيادة الإسرائيليّة القُطريّة والمحليّة التي تحاول بعدّة طرق محاربة "الخطر الديموغرافي" الذي يهدّد أمن الدولة بحسب سياستها، ويشكّل خطرًا على الوجود اليهوديّ على المدى البعيد.
منذ أن تسلّم يائير رفيفو اليهوديّ المتديّن، رئاسة البلديّة قبل أربع سنوات، وهو يعمل بكل جهد من أجل إخماد أصوات الحركة الوطنيّة، ويتقرب من رجال دين مسلمين ومسيحيين من أجل اللعب على الوتر الطائفي مثل باقي رؤساء البلديّات اليهود في المدن العربيّة التاريخيّة، كالرملة واللد ويافا وعكّا وحيفا وبئر السبع، والتي أصبحت تُسمّى بالمدن المختلطة.
كما عزّز الوجود اليهودي في المدينة، بدعمٍ من الحكومة الإسرائيليّة، عبر بناء مشاريع سكن لليهود فقط، وبشكل خاص للنواة التوراتيّة التي لعبت دورًا بارزًا منذ إخلاء المستوطنات في قطاع غزة قبل عشر سنوات، بحيث نجد تصاعداً في وجود اليهود المتدينين من الحزب القومي اليهودي (البيت اليهودي بقيادة نفتالي بينيت) وفعاليّاتهم المختلفة، خاصّة في الحارات العربيّة التي تعتبر مصدر إزعاج لهؤلاء الزمرة الاستيطانيّة.
رغم هذه الظروف، نظّم أهالي اللد العرب بمسلميه ومسيحييه، مساء أمس السبت، أمسية احتفاليّة بمناسبة رأس السنة الهجريّة في خان الحلو، وذلك بعد صلاة العشاء، وتم تنظيف وتجهيز الخان المهجور لإنجاح الأمسية التي تعتبر الأولى منذ النكبة.
وفي تعقيب على المناسبة، قال الناشط تيسير شعبان لـ"العربي الجديد": "المهم أن الخان هو من آخر الآثار التي بقيت صامدة رغم عمليّات الهدم والردم الممنهجة لكل ما هو فلسطيني في اللد. نقوم الآن بإحياء هذا المكان، ليس فقط لأنه إرث أهلنا، بل لأننا بتنا نعلم أن المكان مهدّد باستيلاء حزب "البيت اليهودي" عليه، حيث أقاموا فيه شعاراتهم التوراتيّة قبل بضعة أيّام".
وأضاف: "اللد بإنسانها الفلسطيني وآثارها تتعرّض لعمليّة طمس للهويّة، ونحن حراك شبابي قرّر أن يخوض معركة الهويّة على كل حجر. فنحن نؤمن أن المعركة على الأرض والمسكن والهويّة عليها أن تبدأ مما تركه الأسلاف لنا، وإلاّ سنجد أنفسنا نقاتل على بيوتنا".
أمّا الناشط السياسي غسان منيّر فقد قال لـ"العربي الجديد": "إن الشعب الفلسطيني رغم نكبته يحاول إحياء المناسبات العربيّة، واليوم هي مناسبة ملائمة للاحتفال برأس السنة الهجريّة، إذ وجدنا من الملائم أن نجهّز خان الحلو التاريخيّ والعريق لهذه المناسبة، خصوصًا بعد محاولة اليهود المتدينين القوميين الاحتفال بأعيادهم في هذا المكان بالذات. فعندما تهمل آثارنا التاريخية التراثية يتسلل إليها من يحاول محو وجودنا ودحرنا من الحيّز العام ومن أحيائنا، ويبعدنا عن تراثنا. وهذا الأمر مرفوض من جهتنا، لأنه موقع فلسطيني عريق ولا صلة له بالاحتفالات اليهوديّة".
وأضاف منيّر: "نحن نطلب من الناس التكاتف والتواجد والاشتراك في الفعاليات الثقافية، خصوصاً في الأماكن الأثرية العربية لإحيائها والحفاظ عليها".
تأتي هذه الأمسيّة كرد فعل على الهيمنة اليهوديّة على البلد والهجمة الشرسة التي تقوم بها البلديّة على الأرض والمسكن منذ عشرات السنين، لا سيّما في المجتمع العربي الفلسطيني الأعزل الذي يحاول أن يقوم من الردم الذي خلّفه الاحتلال الصهيوني عام 1948. وجزء من الصحوة الوطنيّة هو إنعاش هذه الأماكن التاريخيّة التي تشهد على أن اللد عربيّة فلسطينيّة رغم الطمس الذي حصل ويحصل من قبل حكومة وبلديّة دولة الاحتلال.
والجدير بالذكر أن بلديّة اللد تحاول دائمًا تلطيف الأجواء عندما يتم المسّ بحقوق العرب في البلد إن كان في قضايا الجريمة أو هدم البيوت أو حتى أصوات الأذان، وذلك من أجل امتصاص غضب العرب الفلسطينيين المظلومين على أرض الواقع والذين يحاولون عبر القانون الحصول على حقوقهم الأساسيّة كالسكن والعمل والتعليم والصحة وغيرها من الحقوق الاجتماعيّة، التي يحصل عليها المواطن اليهودي بلا جهد.