يفاجئك الكاتب السوري خالد خليفة (1964) الآتي لتوه من دمشق بتفاؤله. الكتابة، الأصدقاء، الطبخ.. تلك هي الأقانيم التي يؤمن بها. من يعرفونه يعرفون جيداً حميمية علاقته بالمطبخ. وإذا كان القاسم المشترك بين الأقانيم المذكورة هو الآخرين، فالرجل فعلاً يعيش بين الآخرين، فصباحاً لا يبرح طاولته في "نادي الصحافيين" حيث يكتب، وليلاً يداوم في "القصبجي" على لقاء أصدقائه، وبينهما يطبخ للأصدقاء طبخات تذّكر بالمطبخ الحلبي الفاخر، بفارق أنه يعمد إلى إطلاق أسماء كوميدية على ما يخترعه من مأكولات.
لا يرى خالد في بقائه في الداخل السوري إلى الآن - في ظلّ رحيل مثقفين كثر إلى منافي الأرض - أمراً يستحق إطلاق صفات مثل الشجاعة ورباطة الجأش، وما شابهها من أوصاف، لأنّه ببساطة أمرٌ شخصيّ محضّ: "لم أفعل شيئاً قياساً بما فعله الشباب، أجمل شباب سوريا اليوم شهداء" يقول لـ"العربي الجديد" في اللقاء المسجّل الذي تقدّم له هذه المقالة.
يتحدّث صاحب "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" عن مدينة حلب التي يراها مكاناً مغرياً للكتابة، ويشرح كيف عمل نظام الأسدين، الأب والابن، على تهميشها وتحويلها إلى مدينة منكفئة على نفسها، يعيش أهلها ضمن كانتونات معزولة: "خلال هذه الخمسين سنة جرى تهميش حلب كمركز ثقافي، وكمُنتج للمدنيّة السورية، وكمركز اقتصادي. حتى تحوّلت من مدينة منفتحة إلى مدينة مغلقة منتجة للعنف".
وهو إذ يستعيد حلب الآن فلا يستطيع إلا أن يصرخ: "المدينة جارحة، الذكريات جارحة، الصور جارحة، إلى درجة أنني أتساءل مع أبطالي: كيف استطعنا العيش في ظلّ هذا العار؟".
تناول خليفة في روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" حلب بوصفها جزءاً من حكم "البعث"، من خلال أسرة تعيش كل تحولات المدينة. أما عنوان الرواية فقد جاء من حادثة رواها أكرم الحوراني في مذكراته، عن الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ، أوّل رئيس بعثي، حيث قال الأخير في اجتماع مع وجهاء مدينة حماة التي احتجت بداياتِ حكم البعث وتعرضت لضربة شديدة، إنه لن يترك سكيناً في هذه المدينة.
لا يدعي خليفة أنه وحده من اشتغل روائياً على نصف القرن الأخير من تاريخ المدينة، لكنه يعتقد أنه "سيجري الاشتغال عليه مراراً لأنه مليء بالأسرار والاجتهادات الخاطئة". ورغم أن روايته المذكورة نالت "جائزة نجيب محفوظ"، ووصلت إلى القائمة القصيرة في "بوكر 2014 لكنه لا يعطي الجوائز أكبر من حجمها: "لا أفكر بالجوائر نهائياً أفكر فقط كيف سأكتب كتاباً جيداً".
يتفاءل الكاتب بمستقبل سوريا، وإضافة إلى استدلاله بتاريخ العيش المشترك بين السوريين، فإنه يعلل تفاؤله بـ"قوّة الناس في إنتاج الحياة الآن".