28 يناير 2024
خاشقجي من الدمّ إلى اللحم
الطرود جاهزة، والمهمة أوشكت على الانتهاء، ولم يبق غير توزيع الطرود التي يحمل كلٌّ منها قطعة من جسد جمال خاشقجي بين القبائل التي يشهد التاريخ أنها خرجت من العصر الجاهلي، بعد أن طوّرت اجتهاداتها من توزيع الدم إلى توزيع "اللحم"، كي يضيع ثأر القتيل بينها إلى الأبد.
عمومًا، من السخف بمكان أن يراودنا مزيدٌ من التكهنات بشأن مصير خاشقجي؛ لأن النتيجة واحدة، اغتيل أو اختطف، أو قطّع جسده، وإنما علينا أن ندرّب أنفسنا على حقيقة أن هذا الرجل الضائع بين قبائل القتل والاستبداد لن يظهر ثانية. والحال أن ثمة استنتاجات غفيرة يضيئها الدم المخفيّ لخاشقجي، يتعلق أولها بزمن الاغتيال نفسه؛ إذ من الهراء الزعم إنه اغتيل، لدى مراجعته قنصلية "قبيلته" في إسطنبول، فالرجل حكم على نفسه بالإعدام قبل ذلك، بكثير، منذ اللحظة التي قرّر فيها أن يكون مخالفا نظام حكم قبيلة بني سعود؛ وما الزمن الفائض عن عمره الذي قضاه بين المنافي غير مهلة انتظار ما قبل التنفيذ ليس إلا.. بهذا نكون عرفنا عنوان الطرد الأول، الذي سيحطّ في مضارب قبيلة آل سعود.
أما الطرد الثاني، فسيتوجّه حتمًا إلى قبائل الحكم العربية الأخرى التي لا تقل ضراوةً في استبدادها عن قبيلة آل سعود، فهي مشاركةٌ فعليةٌ في الاغتيال؛ لأنها ترى فيه رسالةً غير مبطّنة لمعارضيها لاستخلاص العبرة وحفظ الدرس جيدًا، وقوامها أن هذا هو مصير كل من يفكر بالمناوأة والتمرّد على الحظائر والقطعان، ولأن أحدًا منها لم يُدن عملية الاغتيال، أو حتى "إبداء القلق" على مصير خاشقجي، بل أراهن أن بعضها كاد يعلن بيان دعم ومؤازرة للجريمة، لولا صدور بيانات غضب واستنكار من دول غربية.. وبهذا تتحدّد القبيلة الثانية المشاركة بالجرم.
أما الطرد الثالث، وهو الأهم، فسيتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية نفسها، التي ما فتئ رئيسها الجديد، دونالد ترامب، يعلن صراحة وبالمكشوف، منذ مدة، عن "الحماية" التي توفرها بلاده لعائلة آل سعود الحاكمة، ولعله من سوء طالع ترامب أن آخر تصريحاته المذلّة بطلب ثمن الحماية من آل سعود تزامنت مع اختفاء خاشقجي أو اغتياله، ليرتدّ سهم الدمّ إلى صدره هذه المرة؛ إذ برهن الحدث أن اغتيال المعارضين السعوديين، وملاحقتهم في الداخل والخارج، ما هو إلا النتاج الحقيقي للحماية التي يوفرها ترامب وإمبراطوريته لهذه الأنظمة المستبدّة. وهنا في وسعنا أن نقول الكثير عن دولٍ تقتلنا لغوًا بحرّياتها التي لا تتعدى حدودها، فيما تمارس أبشع صنوف الاستبداد بدعمها الطغاة خارج أقطارها، وكأن الحرية لا تليق إلا بها، أما حرياتنا فتدخل في بند "الإرهاب"، على أحسن تقدير... والمدان، هنا ليس الولايات المتحدة وحدها، بل شاركها دول كثيرة في الغرب والشرق، تدعم بقاء أنظمة الاستبداد، وتغضّ الطرف عن جرائمها بحقّ مناوئيها.
في المحصلة، توزّع لحم خاشقجي طرود إدانة لا فخار ومباهاة، وهي قطعٌ حريّ بها أن تصفع كل الوجوه التي أسهمت في الاغتيال، كان الإسهام مباشرًا أو غير مباشر، فثمة يدٌ تسافر إلى الرياض لتصفع وجه من أمر بالاغتيال، وثمّة قدمٌ تحطّ في العواصم العربية لتركل مؤخرات أنظمةٍ لم يسعفها حتى النطق بإدانة عملية الاغتيال، ولا بأس أن تركل مؤخرات الشعوب ومنظمات المجتمع المدني العربية، أيضًا، التي لم تعبّر غالبيتها عن امتعاضها من هذا الفعل المشين، حتى ولو عبر بيان أو اعتصام واحد على غرار ما فعلته منظمات ووسائل إعلام أجنبية أفردت للحدث اهتمامًا لافتًا، وربما غير مسبوق.
أما القدم الثانية فحريّ بها أن تسافر إلى واشنطن، لتطالبه بالخرس التامّ عن ترديد أسطوانة طلب "ثمن الحماية"، بعد أن قبض الثمن كاملًا، هذه المرة، ممثلًا بدم جمال خاشقجي.
وأمّا الطرد الأهم الذي لم يصل بعد، فيحمل روح خاشقجي التي ينبغي أن تحطّ في أرواحنا جميعًا، لتوقظنا على مستقبل مصائرنا، إن لم نتحرّك سريعًا ضد حظائر الاستبداد.
عمومًا، من السخف بمكان أن يراودنا مزيدٌ من التكهنات بشأن مصير خاشقجي؛ لأن النتيجة واحدة، اغتيل أو اختطف، أو قطّع جسده، وإنما علينا أن ندرّب أنفسنا على حقيقة أن هذا الرجل الضائع بين قبائل القتل والاستبداد لن يظهر ثانية. والحال أن ثمة استنتاجات غفيرة يضيئها الدم المخفيّ لخاشقجي، يتعلق أولها بزمن الاغتيال نفسه؛ إذ من الهراء الزعم إنه اغتيل، لدى مراجعته قنصلية "قبيلته" في إسطنبول، فالرجل حكم على نفسه بالإعدام قبل ذلك، بكثير، منذ اللحظة التي قرّر فيها أن يكون مخالفا نظام حكم قبيلة بني سعود؛ وما الزمن الفائض عن عمره الذي قضاه بين المنافي غير مهلة انتظار ما قبل التنفيذ ليس إلا.. بهذا نكون عرفنا عنوان الطرد الأول، الذي سيحطّ في مضارب قبيلة آل سعود.
أما الطرد الثاني، فسيتوجّه حتمًا إلى قبائل الحكم العربية الأخرى التي لا تقل ضراوةً في استبدادها عن قبيلة آل سعود، فهي مشاركةٌ فعليةٌ في الاغتيال؛ لأنها ترى فيه رسالةً غير مبطّنة لمعارضيها لاستخلاص العبرة وحفظ الدرس جيدًا، وقوامها أن هذا هو مصير كل من يفكر بالمناوأة والتمرّد على الحظائر والقطعان، ولأن أحدًا منها لم يُدن عملية الاغتيال، أو حتى "إبداء القلق" على مصير خاشقجي، بل أراهن أن بعضها كاد يعلن بيان دعم ومؤازرة للجريمة، لولا صدور بيانات غضب واستنكار من دول غربية.. وبهذا تتحدّد القبيلة الثانية المشاركة بالجرم.
أما الطرد الثالث، وهو الأهم، فسيتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية نفسها، التي ما فتئ رئيسها الجديد، دونالد ترامب، يعلن صراحة وبالمكشوف، منذ مدة، عن "الحماية" التي توفرها بلاده لعائلة آل سعود الحاكمة، ولعله من سوء طالع ترامب أن آخر تصريحاته المذلّة بطلب ثمن الحماية من آل سعود تزامنت مع اختفاء خاشقجي أو اغتياله، ليرتدّ سهم الدمّ إلى صدره هذه المرة؛ إذ برهن الحدث أن اغتيال المعارضين السعوديين، وملاحقتهم في الداخل والخارج، ما هو إلا النتاج الحقيقي للحماية التي يوفرها ترامب وإمبراطوريته لهذه الأنظمة المستبدّة. وهنا في وسعنا أن نقول الكثير عن دولٍ تقتلنا لغوًا بحرّياتها التي لا تتعدى حدودها، فيما تمارس أبشع صنوف الاستبداد بدعمها الطغاة خارج أقطارها، وكأن الحرية لا تليق إلا بها، أما حرياتنا فتدخل في بند "الإرهاب"، على أحسن تقدير... والمدان، هنا ليس الولايات المتحدة وحدها، بل شاركها دول كثيرة في الغرب والشرق، تدعم بقاء أنظمة الاستبداد، وتغضّ الطرف عن جرائمها بحقّ مناوئيها.
في المحصلة، توزّع لحم خاشقجي طرود إدانة لا فخار ومباهاة، وهي قطعٌ حريّ بها أن تصفع كل الوجوه التي أسهمت في الاغتيال، كان الإسهام مباشرًا أو غير مباشر، فثمة يدٌ تسافر إلى الرياض لتصفع وجه من أمر بالاغتيال، وثمّة قدمٌ تحطّ في العواصم العربية لتركل مؤخرات أنظمةٍ لم يسعفها حتى النطق بإدانة عملية الاغتيال، ولا بأس أن تركل مؤخرات الشعوب ومنظمات المجتمع المدني العربية، أيضًا، التي لم تعبّر غالبيتها عن امتعاضها من هذا الفعل المشين، حتى ولو عبر بيان أو اعتصام واحد على غرار ما فعلته منظمات ووسائل إعلام أجنبية أفردت للحدث اهتمامًا لافتًا، وربما غير مسبوق.
أما القدم الثانية فحريّ بها أن تسافر إلى واشنطن، لتطالبه بالخرس التامّ عن ترديد أسطوانة طلب "ثمن الحماية"، بعد أن قبض الثمن كاملًا، هذه المرة، ممثلًا بدم جمال خاشقجي.
وأمّا الطرد الأهم الذي لم يصل بعد، فيحمل روح خاشقجي التي ينبغي أن تحطّ في أرواحنا جميعًا، لتوقظنا على مستقبل مصائرنا، إن لم نتحرّك سريعًا ضد حظائر الاستبداد.