خارطة طرق الموت السعودية..8 ملايين حادث في 42 عاماً

29 يونيو 2015
سيارة منقلبة في حادثة طريق في السعودية (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تكن الممرضات العاملات، في مركز أسنان خاص في جازان (أقصى جنوب السعودية)، يعلمن أن رحلتهن إلى العمل، على طريق الكريوس الذي لا يتجاوز عرضه 20 مترا، ستكون الأخيرة لبعضهن، إذ تسبب حادث تعرضت سيارتهن له، في وفاة ثلاث منهن وإصابة ثماني ممرضات، بعد أن انقلبت الحافلة التي كانت تقلهن.

مثل هذه الحوادث على الطرق التي تربط بين المدن السعودية، باتت معتادة لدرجة أنها لم تعد تستحق مساحات كبيرة في التغطية الصحافية، "إذ تتصدر السعودية المعدل العالمي في الحوادث على الطرق"، وهو ما يؤكده رئيس مركز الأمن والسلامة السعودي الدكتور حازم الكناني، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "الحوادث المرورية هي أهم الأخطار الأمنية التي تواجه السعوديين، بعد أن باتت تستنزف الكثير بشرياً واقتصادياً، خاصة على الطرق بين المدن والتي يبلغ طولها أكثر من 160 ألف كيلومتر، كونها طرق موت تفتقر للصيانة والأمان".

يكشف الكناني أن عدد ضحايا حوادث الطرق في السعودية خلال العامين الماضيين تجاوز 86 ألف شخص، ويقول: "تؤكد الإحصائيات أن السعودية تحتل المرتبة الأولى في عدد وفيات الحوادث بنحو 49 وفاة لكل 100 ألف إنسان، وهو ما يكلف الدولة أكثر من 13 مليار ريال سنويا"، ويتابع: "عدا الوفيات التي تمثل نحو 25% من عدد الضحايا، يشغل مصابي الحوادث أكثر من 35% من أسرّة المشافي".

ويشدد الكناني على أن أكثر من 85% من هذه الحوادث تكون على الطرق بين المدن، بسبب السرعة الزائدة، وسوء حال تلك الطرق، خاصة الطرق الطويلة التي تربط المناطق الجنوبية بالشمالية، والتي تعج بالحفر وتكون غالبا من مسار واحد فقط لا يتجاوز عرضه 20 مترا، ومع أن حالات الوفيات هبطت قرابة 26% في الشوارع التي يتم مراقبتها بنظام ساهر الإلكتروني، إلا أن العدد ما زال كبيرا بنحو 8 آلاف حالة وفاة سنويا، وبحسب تقارير مرورية رسمية صادرة من إدارة المرور السعودية فإن أكثر من 61580 ألف حادثة وقعت في الطرق التي تربط المدن، منها 24500 وقعت في الطرق التي تربط مكة المكرمة بالمدن القريبة منها، و1890 وقعت في طرق الشمال، وهي أكثر الطرق إهمالا وسوءا.

مع أن وزارة النقل والمواصلات تحاول التملص من هذه التهمة، إلا أن الأرقام تكشف ما تحاول إخفاءه، ولم يتجاوب المتحدث الرسمي للوزارة عبد العزيز الصميت مع اتصالات العربي الجديد للتعليق على هذه الأرقام، غير أن ورقة علمية ألقيت خلال اللقاء العلمي الذي نظمته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم عن السلامة المرورية العام الماضي، تكشف أن: "مناطق مكة المكرمة والرياض والمنطقة الشرقية في مقدمة ترتيب حوادث المرور لكل ألف شخص خلال الفترة من 1990 حتى 2008"، كما بينت الورقة أن 73% من مجمل الوفيات المسجلة أعمارهم دون 40 سنة، و75% من إجمالي المصابين أعمارهم أيضاً دون 40 عاما، ومن المتوقع أن يصل عدد الضحايا في عام 2019 إلى 9600 شخص في العام الواحد، ومن جانبها تؤكد المديرة العامة لشركة إنوفا للاستشارات زينة ناظر أن: "معدلات الوفاة على الطرق والشوارع السعودية في تصاعد مستمر بنسبة 10% في 2012، الأمر الذي يكلف خزينة الدولة مليارات الدولارات، ناهيك عن الآلام والمآسي التي تتسبب بها لأهالي المتوفين".

خارطة الموت

تنتشر الحوادث في كل أنحاء السعودية، ولكنها أكثر خطورة في المناطق النائية بسبب حالة الطرق فيها، وأكثر كثافة في المنطقة الغربية بسبب الزحام الذي يسببه دخول وخروج المعتمرين على الطرق المؤدية لمكة المكرمة، ويكشف مدير مشفى الملك فهد في الطائف الدكتور عبد الله الثبيتي أن: "80% من نزلاء مشفاه هم من ضحايا حوادث الطرق، وغالبيتهم من الشباب".

 يضيف قائلا لـ"العربي الجديد" :"غالبية المرضى في مشفاي هم من الشباب ضحايا الحوادث المرورية"، ويستلم المتحدث الإعلامي باسم مديرية الشؤون الصحية في محافظة الطائف سراج الحميدان دفة الحديث، ليؤكد أن: "نسبة من هم أقسام العناية المركزة، خاصة تلك الموجودة في مستشفى الملك عبد العزيز التخصصي، ونظيرتها في مجمع الملك فيصل الطبي، يمثل الشباب فيها 80%، من مختلف الأعمار، بسبب تعرضهم لإصابات بسبب حوادث سير وقعت لهم".

في جدة تبدو الصورة بنفس القتامة، خلال العام الماضي تجاوز عدد المصابين في الحوادث المرورية على الطرق الطويلة 9500 حالة، منها 470 حالة وفاة وأكثر من 1980 حالة إصابة بليغة، يؤكد الدكتور فهد الزويد أن هناك هدرا كبيرا في الممتلكات والأرواح بسبب الحوادث، التي لم يحد نظام ساهر منها بالشكل المطلوب، ويقول لـ"العربي الجديد":"السرعة هي المسبب الأول للحوادث، ولكنها ليست كل شيء، لدينا طرق طويلة ذات حالة رديئة، ومثل هذه الطرق هي ما تلتهم الأرواح"، ويتداخل مسؤول تنمية الموارد المالية والبرامج الخيرية في جمعية الأطفال المعوقين سليمان المنصور في الحديث، مشددا على أن السعودية هي الأعلى في حوادث المرور مقارنة بدول العالم، ويرجع ذلك إلى أن هناك وفرة في عدد السيارات مقارنة بعدد السكان، فحتى المراهقون وصغار السن يملكون سيارات خاصة بهم، ويقول: "توفير السيارات لليافعين والشباب من قبل أسرهم، وعدم الالتزام بقواعد القيادة الآمنة زاد عدد الحوادث".

يضيف: "أكثر من 95% من السكان في المملكة يعتمدون على سياراتهم الخاصة في التنقل"، وبحسب المنصور لم يفلح نظام ساهر (مراقبة مخالفات السرعة عبر كاميرات المراقبة) في الحد من الحوادث، لأن الشباب الذين يشكلون النسبة الأكبر من السائقين والمتسببين في الحوادث عرفوا كيف يتحايلون على كاميرات المراقبة، ليزيدوا سرعتهم.

طرق بالغة السوء

تمثل الطرق التي تربط بين المدن السعودية مشكلة كبيرة، إذ إن طريق المدينة المنورة-مكة المكرمة، على سبيل المثال، نادرا ما يمر أسبوع دون أن يشهد حوادث خطيرة، وخلال الشهر الماضي فقط توفي أكثر من 24 معتمرا وأصيب ضعفهم في حوادث مختلفة، ويؤكد المتحدث الرسمي للهلال الأحمر في منطقة مكة المكرمة خالد السهيلي أن: "هذا الطريق يستنزف الكثير من جهدهم بسبب كثرة الحوادث فيه".

حاولت وزارة النقل تقليل الضغط على الطريق والحوادث التي تقع فيه، وافتتحت قبل نحو شهر تقاطع طريق مكة المكرمة - المدينة المنورة مع طريق بريمان الذي سيسهم في توفير ربط انسيابي وحُرْ بين طريق مكة المكرمة - المدينة المنورة السريع وطريق بريمان (هدى الشام) شرق جدة، ولكن ما زال الطريق القديم يتلهم المعتمرين، واللوم كله لا يقع على السائقين.

بهذا المعدل المرتفع يتجاوز عدد الحوادث في السعودية مليون حادث مروري، وتؤكد دراسة اللجنة الوطنية لسلامة المرور في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عن أن السعودية: "ستكون شهدت بحلول عام 2022 نحو 1.051.232 حادثاً منها 8.566 حادثا تسبب في وفيات، وبتكلفة اقتصادية ستصل إلى 650 مليار ريال، إن لم تتدخل الجهات المعنية بتغيير الوضع"، في الإطار ذاته تؤكد أرقام وزارة الداخلية أن: "عدد الحوادث في السعودية على الطرق الطويلة من عام 1970 إلى 2012، وصل إلى 8.182.794 حادثاً نتج عنها 1.014.688 إصابة و149.802 حالة وفاة".

ويكشف المختص في صيانة الطرق أحمد العجيلان أن أهم مشاكل الطرق الطويلة في السعودية هي الجمال السائبة التي تفاجئ السائقين، ويقول لـ"العربي الجديد": "في عام 2013 وقع 380 ألف حادث خلفت وراءها أكثر من 8 آلاف حالة وفاة و39 ألف إصابة، كانت غالبيتها بسبب سوء الطرق أو السرعة أو الجمال السائبة"، ويضيف: "الجمال هي أكثر الحيوانات اصطداما بالمركَبات، لدينا دراسات تقول إن الجمال تتسبب في 97% من الحوادث التي تقع بسبب الحيوانات، وأكثر مِن 90% من هذه الحوادث تحدث ليلًا، في الوقت بين الغروب والفجر"، ويشدد العجيلان على أن السعودية تعاني من هذه الحوادث كثيرا، ويتابع: "على الرغم من الفارق الكبير بين عدد السعوديين وعدد المصريين، إلا أن الوفيات في السعودية هي أكبر من مثيلاتها في مصر".

من بين مصابي الحوادث، أحمد الشراري تعرض لحادث على طريق القريات - سكاكا ذي المسار الواحد، جعل الحادث الشراري معاقا، كان الشراري ينوي الذهاب لأسرته مع اثنين من أصدقائه، ولكن شاحنة نقل تسببت في انقلاب سيارتهم ووفاة أحد أصدقائه وإعاقته هو وصديقه، يقول الشراري لـ"العربي الجديد": "كنا في طريقنا للقريبات حيث نسكن، لم نتوقع أن تكون الرحلة بهذا الشكل، فجأة ظهرت لنا شاحنة كبيرة، الطريق كان مسارا واحدا، وكانت الشاحنة تحاول تجاوز شاحنة أخرى ووجدناها في طريقنا، لتنحرف سيارتنا بشكل حاد وتنقلب، ويتوفى صديقي، وأصاب بضربة قوية في الظهر تسببت في إعاقتي"، الشراري ليس حالة نادرة، فبحسب أرقام إدارة مرور الحدود الشمالية يقع على هذا الطريق قرابة 850 حادثا في العام، غالبيتها خطيرة، تؤكد التقارير الرسمية أن منطقة الحدود الشمالية ومنطقة الجوف ومنطقة تبوك تحتل المراكز الثلاثة الأولى من حيث عدد المصابين نتيجة لحوادث المرور، فيما سجلت منطقة الباحة أكثر أعداد المتوفين تليها منطقة الحدود الشمالية ومن بعدهما منطقة الجوف، ومن المتوقع أن يستمر نزيف الأرواح، على الطرق السعودية، طالما استمرت الطرق تعاني من الإهمال، والجمال السائبة، والسرعة الجنونية من المراهقين.

--------
اقرأ أيضاً:
أكاديميون وهميون في السعوديّة
صحة السعوديين
المناطق النائية بالسعودية.. بحث لا يتوقف عن الطبيب

دلالات