في هذا السياق، أشار العقيد أحمد علي، من جهاز مكافحة الإرهاب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن القتال يتم "داخل أحواض بشرية، لا في أحياء سكنية"، وذلك رداً على سبب التأخر في التقدم لأحياء جديدة، حيث يحتدم القتال من شارع إلى آخر بين منازل تغصّ بالعائلات. وقدّر عدد سكان الموصل في الأحياء التي تشهد معارك، بأكثر من 100 ألف مدني. وأضاف علي أنه "لا يُمكن معرفة وضع المدنيين داخل المنازل، وما إذا كان لديهم طعام أو ماء، بعد سبعة أيام من المعارك الضارية في أحيائهم". بعدها توجه العقيد العراقي، مع مجموعة من رفاقه، إلى وحدة صغيرة محاصرة من قبل عناصر "داعش" في أحد الأحياء السكنية.
من جهته، أكد قائد عمليات نينوى، الفريق الركن نجم الدين الجبوري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عدم "إمكانية الحديث عن موعد محدد للمعركة، كونها مرتبطة بالتطورات التي تحصل كل يوم على الأرض". وأضاف أنه "لا يمكن القول إن المعركة بطيئة، فمدينة بمساحة الموصل ليست سهلة، كما أن ما تم تحريره أكثر مما تبقى"، لافتاً إلى أن "محور الجنوب سيفتح نحو الموصل، ليكون هناك اختراق من الجانبين لحين الوصول إلى قلب المدينة".
عملياً، انتقل القتال إلى داخل الموصل منذ أيام، مع نجاح قوات الجيش ووحدة المهام الخاصة المدرّبة أميركياً، فضلاً عن جهاز مكافحة الإرهاب بدعم جوي أميركي، في إحداث ثلاث ثغرات في السور الافتراضي للموصل، من المحور الشرقي والمحور الشمالي الشرقي. وتمكنت تلك القوات من التوغل داخل الساحل الأيسر للموصل، وبدء المرحلة الثالثة من المعارك، في الوقت الذي ما تزال فيه باقي المحاور تقاتل في قرى وبلدات خارج الموصل. وفيما لا يتوفر عدد دقيق لقتلى تنظيم داعش خلال معارك الموصل، تشير تقارير القوات العراقية والتحالف الدولي إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف عنصر لقوا حتفهم خلال المعارك الدائرة منذ ما يزيد عن شهر كامل، غالبيتهم من الجنسية العراقية والسورية. في المقابل، تتحدث أوساط محلية من داخل الموصل عن عدد أقل من الذي يتم إعلانه من قبل قيادة العمليات المشتركة في بغداد أو من قبل قوات التحالف. وبحسب موصليين لا يزالون داخل المدينة، فإن عدد جرحى التنظيم فاق الألفي مسلح ويتلقون العلاج في مستشفيات خصصها التنظيم لهم بعيدا عن المستشفى العام الذي يكتظ بالمدنيين.
وتكشف "العربي الجديد" تفاصيل خارطة القتال والوضع الميداني في الموصل وفقاً للتقسيم الإداري للمدينة. وتبيّن من الوضع الميداني، أن القوات العراقية النظامية تسيطر حالياً على 11 حياً ومنطقة سكنية داخل الموصل عبر الشرق من الساحل الأيسر لنهر دجلة، وهي أحياء: كوكجلي، ويونس السبعاوي، والأربجية، وحي السماح، وحي الشيشان، وحي صدام، وحي 30 تموز، وحي التحرير، وحي الأمن، ومنطقة بعويزة، ومجمع دجلة السياحي. وتتوزّع هذه الأحياء على محاور جنوب شرق وشرق وشمال شرق الموصل، على شكل هلال يلف المدينة من الشرق ويقطعها عن الخارج.
في المقابل، يبلغ عدد الأحياء التي تتقاسم القوات المشتركة و"داعش" السيطرة عليها، تسعة أحياء سكنية، وهي: السلام، والانتصار، والقدس، والشقق، وعدن، والبكر، والقادسية الثانية، والمحاربين، والسادة. وعن معارك تلك الأحياء، قال ضابط بالجيش العراقي إنها "معارك كر وفر. ننسحب ليلاً ونعود نهاراً. والعكس صحيح". وأردف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تلك الأحياء تستنزف كثيراً منا وفقدنا فيها خسائر بشرية، لكننا نواصل العمليات لكسب المعركة ولا خيار آخر لدينا". وأشار الضابط إلى أن "أغلب خسائر القوات العراقية حصلت نتيجة العمليات الانتحارية والقصف بالهاون الذي يجيد داعش تسديده على تجمعات القوات المهاجمة".
كما أن خمسة أحياء سكنية باتت عرضة لعمليات القصف بالهاون والمدفعية والقذائف الصاروخية للقوات المهاجمة، وكذلك طيران التحالف، في محاولة لاقتحامها منذ مساء السبت، وهي أحياء: المرور، والقادسية الأولى، والزهور. وتحوّلت الأحياء العشرين إلى ساحة حرب حقيقية، من أصل 85 حياً سكنياً هي مجمل أحياء مدينة الموصل.
أما في المحور الشمالي، فلا تزال القوات العراقية على حدود بلدة تلكيف، (20 كيلومتراً شمال الموصل)، من دون أن تتمكن من الدخول حتى الآن. وفي المحور الجنوبي، لا تزال القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي في قرية البو يوسف، على بعد كيلومترين من مطار الموصل الدولي، وسبعة كيلومترات من الموصل.
في المحور الغربي الذي تتولى مسؤوليته "الحشد الشعبي"، المؤلفة من 28 فصيلاً، مدعومين بوحدات من الحرس الثوري الإيراني، ومليشيا "فاطميون" الإيرانية، بالإضافة لمستشارين من حزب الله، مع دعم جوي من مقاتلات "سوخوي" التابعة لسلاح الجو العراقي، التي تحاول من خلالها شق الطريق نحو مدينة تلعفر. ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية، فإن المحور الغربي بات من محاور بعيدة التماس عن قوات "داعش"، بعد تغيير مليشيات الحشد وجهتها إلى مدينة تلعفر.
وأفادت تقارير محلية من داخل الموصل بأن "مجمل عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء معركة الموصل بلغ أكثر من ألفي مدني، منهم نحو 700 قتيل من الأطفال والنساء، بينما سقط أكثر من 1300 جريح جراء القصف والمعارك أيضاً. وقد غادر بعضهم المستشفيات بعد العلاج. مع العلم أن أكثر الجرحى مصابون بقطع الأطراف".
إلا أن مصادر شدّدت على أن "العدد أكبر من هذا بكثير، لأن المستشفى العام بالمدينة يحصي فقط ما يصل إليه من ضحايا. وهناك تقديرات عن وجود نحو 500 مدني غير معروف مصيرهم ما إذا كانوا أحياء أم أموات، بعد قصف منازلهم وتعذّر الوصول إليهم. كما أن هناك العشرات ممّن قُتلوا ودُفنوا من دون نقلهم إلى المستشفى وآخرين ما زالوا تحت أنقاض منازلهم المدمرة".
مع العلم أن الحكومة العراقية ومليشيات الحشد والبشمركة، تفادوا ذكر أي تفاصيل تتعلق بخسائرهم البشرية منذ بدء المعارك، غير أن افتتاح مستشفى ميداني عسكري ثالث قرب الموصل، وتوافد مواكب القتلى العسكريين إلى وسط العراق وجنوبه، يفسر جزءاً من حقيقة الخسائر. وأشارت التسريبات إلى ارتفاع معدل قتلى القوات المشتركة إلى أكثر من خمسة آلاف جندي وعنصر مليشيا ومن البشمركة.
ووفقاً لمصادر من داخل وحدة الطبابة الثانية بالفرقة السادسة عشر بالجيش العراقي، فإن عدد القتلى من القوات المشتركة بلغ نحو 2100 قتيل، تصدّرتها قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، ثم تلتها مليشيات الحشد فقوات البشمركة. وتراوح عدد الجرحى حتى الآن، بين ثلاثة آلاف و3500 عنصر، تم نقل الضباط الكبار منهم وقسم من الجنود إلى طهران وبغداد وإسطنبول وروما للعلاج. وهو ما أثار حفيظة عائلات الجنود الآخرين الجرحى، الذين اعتبروا الموضوع فساداً جديداً من نوع آخر بالمؤسسة العسكرية العراقية عنوانه "المحسوبية والقرابة".