تضع جينابا حزمة ملابسها الشخصية على رأسها، وتقف في انتظار الحافلة بداية كل أسبوع، عند تقاطع كافور "باماكو" بمقاطعة الرياض، جنوب العاصمة الموريتانية نواكشوط، في طريقها إلى العمل.
جينابا، تعمل خادمة منزل في مقاطعة عرفات، وتتقاضى راتباً شهرياً قدره 30000 أوقية (حوالي 100 دولار)، وهي تسكن مع الأسرة التي تعمل معها ستة أيام في الأسبوع. وتقوم بكافة مهام المنزل من طبخ وغسيل وتنظيف.
تقول جينابا (20 عاما) إنها تركت الدراسة في سن 12 عاما خلال المرحلة الإعدادية لكي تعمل لمساعدة أسرتها المكونة من أب وأم و6 إخوة وأخوات.
تشكو لـ"العربي الجديد" من حجم العمل غير المحدد، فأهل المنزل يطلبون منها كل شيء حتى الأعمال التي ليست من طبيعة عملها، حيث يرسلونها إلى تسديد الفواتير وشراء الحاجيات من السوق. وتعمل إلى وقت متأخر من الليل بسبب كثرة ضيوف مشغليها، إضافة إلى تأخر الراتب بشكل متكرر.
غير أن الشابة لا تنكر أنّ الأسرة التي تعمل عندها تعاملها باحترام، وتسدد راتبها رغم تأخره أحياناً بخلاف تجارب أخرى مرت بها، بحيث تعرضت فيها لسوء المعاملة وعدم تسديد راتبها أو دفع جزء منه فقط، وهي راضية عن عملها طالما أنه يساعد أسرتها.
أما ماري كوليبالي، التي قدمت مع طفلها الصغير (عمره عامان)، إلى موريتانيا منذ عام 2013 بعد اندلاع الحرب في شمال مالي، فقد عملت خادمة منزل متجولة، حيث تغسل الثياب للمنازل وتعمل فيها بأجرة يومية.
واجهت ماري (30عاما) أوضاعا قاسية في البداية، كما روت لـ"العربي الجديد"، فقد كان عليها أن تؤمن مالاً لطفلها الصغير، وأن تسدد نفقات السكن ووجبة العشاء بالمناصفة مع زميلاتها حيث تسكن مع مجموعة من الخادمات في أحد المنازل المستأجرة ويتقاسمن التكاليف.
تحمل ماري طفلها أمادو، على ظهرها كل صباح في اتجاه المنازل فتطرق كل باب بحثا عمن يريد غسيلا أو تنظيفا للمنزل وتجني ما متوسطه 4 دولارات يومياً؛ وهو مبلغ لا يفي بتكاليفها اليومية. غير أنها أحيانا لا تجني أي مقابل، وهو ما يمثل بالنسبة لها الخسارة والألم، حين تعود دون أن تجد ما تطعم به ولدها أو تدفع به تكاليف المنزل المشترك مع زميلاتها.
(ع .ص) خادمة منزلية أخرى في مقاطعة دار النعيم شمال نواكشوط، تبلغ من العمر (17 عاما) تعرضت لسوء المعاملة من مشغليها لكن دون إيذائها جسديا، وقدمت إلى العاصمة نهاية عام 2015 قادمة من منطقة مبود في ولاية غورغل جنوب موريتانيا لتعمل في منزل معارف أهلها وهي تسكن معهم لعدم وجود أسرتها بالعاصمة".
تتعرض (ع .ص) للتعنيف والإساءة اللفظية والتعريض بشريحتها الاجتماعية من أفراد الأسرة حتى من الأطفال، إضافة إلى عدم منحها راتبها حيث يرسل إلى أسرتها بعد تأخير.
تقول إنّ "مشغليها يعاملونها باحتقار رغم أنهم يوفرون لها ملابس في العيد ولا يمنعونها من الأكل معهم ولكن السب والإهانة أمر يومي".
وتوضح أنها تفكر في العمل مع أسرة أخرى، "لكنها تخشى من معارضة أسرتها لذلك فهي ستتحمل من أجل والدها الكبير في السن الذي يحتاج إلى عملها".
وتعاني عاملات المنازل في موريتانيا من غياب عقود عمل، ما يجعلهن عرضة للتلاعب من قبل المشغلين، فضلاً عن سوء المعاملة الذي يصل في بعض الحالات إلى الضرب والتحرش الجنسي والاستغلال غير الإنساني واستخدام القصر غير البالغين.
وقد عرف الطلب على الخادمات في موريتانيا تزايداً كبيراً أخيراً، خصوصاً في العاصمة والمدن الكبرى بفعل التطور الاقتصادي وتحسن مستوى المعيشة، وتضاعفت أسعار الخادمات بشكل كبير ليبلغ في بعض الحالات نحو 200 دولار فيما كان في السابق لا يتجاوز 80 دولارا.
وقادت منظمات حقوقية حملة قوية ضد استخدام الخادمات بالطرق التقليدية المرتبطة بالاستعباد حيث تقوم بعض الأسر (الأرستقراطية) باستخدام خادمات من عبيدها السابقين بأجر أحيانا وأحيانا بدون أجور محددة ضمن عادات كانت متبعة في السابق كجزء من مظاهر الاستعباد، غير أن السلطات الرسمية بضغط المنظمات الحقوقية قامت باعتقالات لبعض هؤلاء، وهو ما قلّص من هذه الممارسات خاصة في المدن الكبرى، فيما بقيت شائعة في المناطق الريفية بحسب المنظمات الحقوقية.
وقامت موريتانيا أخيراً بمنع سفر الخادمات الموريتانيات إلى السعودية، بعدما ثار جدل بشأن سوء معاملتهن وتعرضهن للاحتيال من طرف مكاتب التشغيل والسماسرة، حيث تعتبر المنظمات الحقوقية خادمات المنازل مظاهر جديدة للعبودية.
الناشط الحقوقي سيد أحمد ولد البو أكد لـ"العربي الجديد"، أنّ خادمات المنازل في موريتانيا يعشن في ظروف غير إنسانية، وذلك لغياب الرقابة وعدم وجود منظومة قانونية لحمايتهن رغم أن الحكومة سنت قانونا عام 2013 لكنه بقي حبرا على ورق مثل الكثير من القوانين في هذا الصدد"
ويعدد ولد البو مظاهر الظلم في استخدام العاملات "حيث لا توجد عقود عمل تحدد طبيعة العمل ومدته وأجره بل مجرد اتفاق عرفي ثنائي، ما يجعل الخادمات تحت رحمة أصحاب المنازل، كما أن إساءة المعاملة بمختلف أنواعها شائعة وكبيرة وتقارير المنظمات الحقوقية تشهد على ذلك، فنحن نسمع بشكل دوري عن اكتشاف حالات عبودية تحت مسمى خادمات منازل".
ويطالب الناشط الحقوقي السلطات الموريتانية والمنظمات الحقوقية بالتعاون لسن قوانين ومسطرة عمل تضع حدا لحالات الظلم والإساءة والاستعباد التي تطاول خادمات المنازل خاصة أن أغلبهن من فئات اجتماعية ضعيفة ومهمشة".