عرفت السينما المصرية خلال تاريخها تطوراً كبيراً ليس على مستوى المواضيع والتقنيات فقط، بل على مستوى الشخصيات التي أصبحت شيئاً فشيئاً أكثر اقتراباً من الحياة العادية وخرجت من قصور النبلاء إلى بيوت الفقراء، لتخلق فضاءً جديداً لمعالجة القضايا الاجتماعية الشائكة، مثل قضية "الخادمات"، التي استطاعت بعض أميرات الشاشة أن يقدمنها ببراعة في أدوار لا تنسى، ومنها:
فاتن حمامة في "دعاء الكروان":
كان خروج فاتن حمامة من ثوب الفتاة الارستقراطية إلى ثوب "خادمة بدوية" في فيلم "دعاء الكروان"، عام 1959، من أهم إنجازاتها على مدى مسيرتها الذهبية؟ فقد اختارها المخرج الكبير هنري إلى جانب أحمد مظهر لتجسيد شخصية "آمنة" في قصة "طه حسين". وهي فتاة تجمع الرقّة بالقوّة بالرغبة في الانتقام. كلّ ذلك في تركيبة معقّدة لم يكن من السهل على أيّ فنانة أخرى التمكّن منها. لكنّها نجحت في ذلك إلى حدّ الدهشة، ليصبح هذا الفيلم واحداً من أهمّ مئة فيلم في التاريخ، ويفتح باب الحديث عن عالم الخادمات وجرائم الشرف.
سعاد حسني في "مبكى العشاق":
كان دور سعاد حسني في "مبكى العشّاق"، عام 1966، جديداً أيضاً ومختلفاً عن أدوارها السابقة. إذ وقفت أمام الفنان رشدي أباظة في شخصية "سكينة"، الخادمة التي يقع في حبّها ثم يغتصبها ويجبرها على التخلص من الجنين. وقد أخرج العمل حسين الصيفي عن قصة للكاتب يوسف السباعي، لتتمكن السندريللا كعادتها من الأداء ومن ترجمة ما تعانيه فتيات هذه الطبقة الكادحة في المجتمع.
شادية: نحن لا نزرع الشوك
كانت "شادية" محصورة في أدوار البنت الجميلة خفيفة الظلّ، لكنّها اخترقت هذه القاعدة لتحفر اسمها في سجل السينما بعدد من الأدوار الدرامية التي لا تُنسى، ومنها دور الخادمة "سيّدة" في "فيلم نحن لا نزرع الشوك" عام 1970. وكان من إخراج حسين كمال عن قصّة ليوسف السباعي أيضاً، ووقف إلى جانبها فيه محمود ياسين. كما تحوّل هذا الفيلم لاحقاً، إلى مسلسل من بطولة آثار الحكيم، غير أنّها لم توفّق في مجاراة إبداع شادية فيه.
نادية لطفي في "قاع المدينة":
عام 1974، أطلّت نادية لطفي على جمهورها بشكل جديد وصادم في دور الخادمة "شهرت" التي تبيع عُرضَها مقابل المال بسبب ظروفها الصعبة. وكان الفيلم من إخراج حسام الدين مصطفى عن قصة ليوسف إدريس شاركها بطولته محمود ياسين. ورغم أنّه لم يحقّق نجاحاً كبيراً إلا أنّه كان نقطة تحوّل في أدوار نادية وفي إطلالتها على الشاشة.
نادية الجندي في "الخادمة":
تختار نادية الجندي دائماً الشخصيات المركّبة، التي تتحوّل وتتطوّر عبر الأحداث. مثلما اختارت دور الخادمة "فردوس" التي توقع ابن العائلة الثرية في حبها لتتمكّن من استغلال ثروته. إذ يُعتبر فيلم "الخادمة"، الذي أخرجه أشرف فهمي عام 1984 عن قصة لنجيب محفوظ، من الأفلام التي سجّلت نموذجاً مختلفاً عن هذا النوع من النساء الذي كان محصوراً في ثوب المظلوم والضحية.
نجلاء فتحي في "أحلام هند وكاميليا":
حين زار محمد خان نجلاء فتحي في بيتها، فتحت له الباب بثياب الخادمة كعلامة موافقة على أداء دور "كاميليا" في فيلم "أحلام هند وكاميليا" الذي أخرجه عام 1988، وشارك في بطولته أحمد زكي وعايدة رياض. وقد قدّم الفيلم نموذجاً أكثر واقعية عن شريحة الخادمات، وعن أحلامهنّ ومعاناتهنّ اليومية. واستطاعت نجلاء أن تنفذ إلى داخل الشخصية ببراعة لتجسّد بملامحها الهادئة شخصية صاخبة.
هكذا أثبتت هي وزميلاتها من أميرات الفنّ اللواتي تألّقن في أدوار الجميلات والارستقراطيات أنّ الفن رسالة جمالية واجتماعية أيضاً تنقل الى المشاهدين الواقع بكلّ ما فيه، وتحاول كشف المستور عن قضاياه من أعلى موائد الملوك إلى أسفل جوع الفقراء.