حيّ السلّم... فوضى الاحتجاج في الضاحية الجنوبية لبيروت

29 أكتوبر 2017
ما تبقّى من إحدى البسطات (حسين بيضون)
+ الخط -

قبل أيام، عند فجر الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري، عمدت السلطات البلدية بمؤازرة القوى الأمنية إلى إزالة مخالفات في منطقة حيّ السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت، الأمر الذي خلّف احتجاجات وبلبلة في المنطقة.

انتهت الفورة الإعلامية التي رافقت عملية إزالة محال مخالِفة في منطقة حيّ السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع انتهاء مفعول الشتائم التي كالها بعض المخالِفين للدولة وللأحزاب السياسية الفاعلة في المنطقة. ولعلّ ما زاد من حدّتها هو الاستهداف الشخصي للأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله، بالشتم، في سابقة هي الأولى من نوعها داخل الضاحية المحسوبة سياسياً وأمنياً على الحزب. غادرت سيارات النقل المباشر المنطقة المكتظة بعد ساعات طويلة من نقل احتجاج عدد قليل من أصحاب المحال التجارية المبنية بطريقة مخالِفة في موقف حيّ السلّم، فيما ترافق الأمر مع اتهامات كالها أنصار الحزب لوسائل الإعلام بـ"إثارة الفتنة في الضاحية".

تاب بعض من شتم نصر الله أو اعتذر لمّا هدأت فورة الغضب التي أحدثها مشهد ركام المحال التجارية، عندما قرّرت الدولة بسط سلطتها في الحيّ فجر الأربعاء الماضي، في إطار خطة أمنية مُحكمة تجنّبت فيها السلطات الاحتكاك بالمخالِفين المُتشبّثين بمخالفاتهم. هال هؤلاء مشهد البضائع التجارية التي تبعثرت بين ركام المحال، واللافت أنّ أحداً لم يحاول سرقة البضائع التي بقيت على الطريق لساعات.

أيام مرّت على تلك العملية، فيما يواصل المخالِفون جمع وترتيب ما تبقى من بضائع (أحذية وملابس ومواد غذائية) بعدما أُتلف بعضها خلال الهدم. ويتحدّث أحدهم من آل دندش (عشيرة عربية من البقاع يقيم عدد من أفرادها في حيّ السلّم) بواقعية أكبر بعدما استوعب الموقف، فيتمنّى لو أنّ الدولة أبقت له على محل واحد فقط من أربعة محال مخالِفة كان قد بناها قبل سنوات طويلة في المنطقة. ويلوم دندش "غياب الدولة" قبل أن يلوم نفسه على ارتكاب المخالِفة، مؤكّداً أنّ "الخسارة الناتجة عن هدم المحال توازي كلّ الأرباح التي حققتها طوال سنوات من استثمار محالنا وتأجيرها".

تجدر الإشارة إلى أنّ بعض أصحاب المحال التجارية في المنطقة، يتجنّبون الحديث عن الأثر السلبي للمحال المخالِفة مخافة غضبة أُخرى من المخالِفين المحزونين، فعشرات العدسات ومئات الأسئلة الصحافية التي انهالت على السكّان لم تساعد في تبريد الموقف.



اعتياد النسيان

اعتاد أهالي حيّ السلّم النسيان، وانزووا منذ آخر انتفاضة معيشيّة شهدها الحيّ في عام 2004، عندما قُتِلَ خمسة مواطنين برصاص الجيش اللبناني أثناء قمع احتجاجات نفّذها مواطنون ضدّ "غلاء المعيشة". والقاسم المُشترك بين الحدثَين هو وقوف الأحزاب الفاعلة في المنطقة (حركة أمل وحزب الله) على الحياد.

اليوم، بعد 13 عاماً، عاد الاحتجاج في موقع كان يُفترَض أن يكون ساحة عامة تضمّ سوق المنطقة التجاري ونقطة انطلاق سيارات الأجرة والحافلات. لكنّ تشييد محال تجارية بطريقة مخالِفة التهم الساحة، مثلما التهمت عشرات البسطات وعربات "الإكسبرسو" الشوارع. ففرضت المخالفات منافسة تجارية غير عادلة مع أصحاب المحال الشرعية في الحيّ، وبين المخالِفين بعضهم البعض.




في السياق، يقول أحد مخاتير مدينة الهرمل (محافظة البقاع) وهو من سكّان حيّ السلّم، إنّ "الخطط الرسمية لتنظيم الحيّ تأخّرت عقوداً، حتى شعر المخالِفون بأنّهم أصحاب حقوق مكتسَبة وأنّ إزالة المخالفات القائمة هو الخطأ". يُذكر أنّ سكّان حيّ السلّم - إلى جانب تصنيفهم كمخالِفين ونظاميين - يتنوّعون بين وافدين من محافظة البقاع ومن بلدات الجنوب اللبناني وبين سكّان المنطقة "الأصليّين". وقد نشأت شبكة علاقات اجتماعية عشوائية بين "النازحين" من البلدات وبين "أهل المنطقة"، وما زالت تلك التسميات تنسحب على أبناء الحيّ حتى يومنا. ويشير المختار نفسه إلى أنّه "من بين عشرات آلاف السكّان في حيّ السلّم، لا تتجاوز نسبة الذين يملكون حقّ الاقتراع في الضاحية الجنوبية لبيروت 20 في المائة كحدّ أقصى".

انفجر حيّ السلّم سكّانياً طوال عقود، من دون أيّ برمجة رسمية أو هندسة للحياة في ذلك الحيّ الواقع عند أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت، على مقربة من مدينة الشويفات أو أوّل مدخل جنوبيّ لمحافظة جبل لبنان. وتُقدّر إحصاءات غير رسمية عدد سكّانه بما بين 150 ألفاً و250 ألفاً حرمهم موقع الحيّ الجغرافيّ من اعتراف السلطات المحلية (البلديات) بتبعيّته لها. وقد ساهم توسّع الأحياء حيث المساكن غير اللائقة، في امتدادها خارج النطاقات البلدية للمناطق التي كانت تتبع لها في الأصل، الأمر الذي أوجد مشاكل عدّة في البنى التحتية في تلك المناطق. وتمثّل منطقتا برج البراجنة وحيّ السلّم، أو "الصين الشعبية" بحسب ما يُطلِق عليها سكّانها، مثالاً صريحاً على ذلك.

يُذكر أنّ شكاوى المواطنين تتجدّد مع بدء كلّ موسم شتاء، إذ تتقاذف البلديات المحيطة مسؤولية تأهيل البنى التحتية فيها للحؤول دون غرق الشوارع في مياه الأمطار.



دراسات بالجملة ولا حلول

مثّل حيّ السلّم بكلّ الفوضى التي يعيشها سكّانه محجاً للمهندسين وخبراء التنظيم المُدني وعلماء الاجتماع الذي أعدّوا دراسات مفصّلة عن واقع الحيّ على مختلف الصعد. وتشير إحدى الدراسات الصادرة عن "مركز البحوث السكانية والصحية" في الجامعة الأميركية في بيروت في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، إلى أنّ "صحة السكان في حيّ السلّم سيئة نسبياً". وقد "أفادت 50 في المائة من الأسر عن حالة واحدة على الأقل تعاني من مرض مزمن بين أفرادها. و30 في المائة أفادت عن نوعَين من أنواع الأمراض المزمنة". واللافت في تلك الدراسة أنّ الأمراض هي أكثر شيوعاً عند النساء منها عند الرجال. وبحسب الدراسة نفسها، فإنّ "98 في المائة من المنازل تعاني من انقطاع التيار الكهربائي، وتغيب السبل الملائمة للصرف الصحي عن 93 في المائة منها، كما تفتقر 89 في المائة من المساكن إلى التهوية الملائمة". كذلك، تَبيّن أنّ الصراصير تنتشر في 75 في المائة من المساكن، فيما تتسرّب المياه وترتفع نسبة الرطوبة في نصف المساكن تقريباً.

إلى ذلك، تُبيّن دراسة أقدم تحمل توقيع المهندس والأكاديمي فادي مشرفيّة، وقد ساهم في إعدادها أساتذة وطلاب من الجامعتَين اللبنانية والأميركية بالتعاون مع فعاليات سياسية ومحلية في الحيّ، أنّ "نسبة البطالة المُقنّعة في حيّ السلّم تبلغ 50 في المائة". وتسجّل هذه الدراسة الصادرة في عام 2006 تفاوتاً كبيراً في المداخيل بين أهالي الحيّ الذين "يعمل 30 في المائة منهم كسائقين عموميّين لسيارات الأجرة وحافلات النقل الصغيرة المخالِفة، ونحو 40 في المائة في السلك العسكري من جيش وقوى أمن داخلي". وتتنوّع مهن الآخرين لتشمل "قطاع التجارة (خصوصاً الألبسة) والمهن الحرّة والوظائف". وتظهر الدراسة نفسها أنّ العمران في منطقة حيّ السلّم في غالبيته قانوني ومرخّص باستثناء المساكن التي شُيّدت على ضفاف نهر الغدير، إلا أنّ "نوعية المواد المستخدَمة في عملية البناء رديئة" و"لم يتمّ الالتزام - في كثير من الأحيان - بالمواصفات والمعايير المفترَضة في عملية البناء". أمّا المالكون في الحيّ فيمثّلون نحو 20 في المائة من السكّان، ليستأجر الباقون (80 في المائة) منهم مساكنهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ خطة تنظيم الحياة العامة في حيّ السلّم تتزامن مع خطة "ضاحيتي" التي أطلقها اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت، وتشمل أربع خطط عمل لتنظيم السير، وتجميل الشوارع والإنارة، وإزالة التعديات على الأملاك العامة، وقمع مخالفات الدراجات النارية والحافلات. كذلك تتزامن مع إطلاق بلدية مدينة الشويفات عشرات المشاريع التنظيمية ضمن نطاقها، مع استمرار ورشة عمل كبيرة لمدّ أنابيب لتزويد العاصمة بيروت بالمياه.