حين عبست الرياضة المغربية وتولت أن جاءها الأعمى

23 يوليو 2018
+ الخط -
شارك المنتخب المغربي لكرة القدم للمكفوفين مؤخرا في كأس العالم لهذه اللعبة التي دارت أطوارها بإسبانيا والأغلبية الساحقة من المغاربة لا علم لهم بذلك، بل وهناك منهم من لا يدري أن بطولة من هذا النوع تنظم خصيصا لهذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وبلغ المنتخب ذاته دور ربع نهائي هذه الكأس قبل أن يغادرها على يد منتخب صينيِّ قويِّ وقلة هم المغاربة الذين بلغ إلى علمهم ذلك، في ظل تقصير الإعلام بجميع أنواعه في حق هؤلاء الأبطال، ولم تخصص له حتى المنابر الإعلامية التي سلطت الضوء على هذا الحدث، وإن على قلتها، حيزا كبيرا يليق بقيمة هذا الإنجاز الذي يبقى مهما لأسباب سنتعرف إليها لاحقا.

تمكن المنتخب المغربي لكرة القدم للمكفوفين من التتويج السنة الماضية بكأس أفريقيا للأمم التي أقيمت بالرأس الأخضر، وللمعلومة فهذه الكأس هي الثانية على التوالي التي يفوز بها المغرب بعد لقب 2015 بالكاميرون، ما خول له المشاركة في كأس العالم التي دخل غمارها وسط ظروف أقل ما يُقال عنها إنها صعبة بسبب ضعف التحضير لهذه البطولة والنقص الكبير الذي عانت منه تركيبته البشرية نتيجة كثرة الإصابات، فضلا عن غياب جميع أنواع الدعم المادي والمعنوي من قبل الأطراف المتداخلة في هذه الرياضة. ولم يستكن هذا المنتخب أمام هذه العقبات الكثيرة التي اعترضت طريقه قبل كأس العالم ، وتحلى لاعبوه بروح التضحية ونكران الذات لتقديم صورة جميلة عن وطنهم وهم على علم مسبق أنهم لن يجدوا اعترافا بالمقابل.


ما ينطبق على منتخب كرة القدم للمكفوفين ينطبق على باقي الرياضات التي يمارسها ذوو الاحتياجات الخاصة، الذين يعانون في صمت ويبذلون مجهودات جبارة لتمثيل المغرب أحسن تمثيل وجعل العلم الوطني يرفرف خفاقا في أكبر المحافل العالمية، وإنجازاتهم تتحدث عنهم.

تزينت أعناق العديد من الأبطال المغاربة الذين شاركوا في الدورات الثلاث الأخيرة من الألعاب البارالمبية في كل من بكين (2008) ولندن (2012) وريوديجانيرو (2014) بجميع أنواع الميداليات، حاصدين ما مجموعه عشرين ميدالية نصفها من الذهب، في حين نال نظراؤهم من الأسوياء في العدد نفسه من الدورات الأولمبية التي أقيمت جميعها في التواريخ والأمكنة المذكورة آنفا أربع ميداليات فقط، دون نيل أية ميدالية ذهبية.

بصمت البعثة التي مثلت المغرب في الأولمبياد الشتوية الخاصة التي استضافتها النمسا خلال السنة الماضية، وهي المنافسة التي تقام خصيصا لفائدة الرياضيين الذين يعانون من إعاقة ذهنية والذين يأتون من جميع أنحاء العالم ليمارسوا الرياضة ويتنافسوا فيما بينهم كون هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يعد يسمح لها بالمشاركة في الألعاب البارالمبية الشتوية، على مشاركة مميزة للغاية في رياضات لا تلقى اهتماما كبيرا من لدن الرياضيين المغاربة سواء كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من الأسوياء. ونال الأبطال المغاربة خلال هذه التظاهرة ست ميداليات، ثلاث منها ذهبية في منافسات سباق التزلج والهوكي على الجليد.

ولم تحِد المشاركة المغربية في بطولتي العالم الأخيرتين لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة في كل من الدوحة (2015) ولندن (2017) عن مسار التألق، إذ بلغت غلة المغرب من الميداليات في البطولة الأولى سبعا، خمس منها من معدن النحاس وما تبقى من الذهب، بينما صعد المغرب في سبع مناسبات إلى منصات التتويج في لندن سنتين بعد ذلك، وعُزف النشيد الوطني في خمس مناسبات. فإذا قمنا بإجراء مقارنة صغيرة بين عدد الميداليات التي حصدها العداؤون المغاربة من ذوي الاحتياجات الخاصة خلال هاتين النسختين من بطولة العالم وعدد الميداليات التي أحرزها العداؤون الأسوياء في آخر بطولتين عالميتين أقيمتا في التاريخ نفسه على التوالي في بكين ولندن، والتي لم تتجاوز سقف ميداليتين إحداهما نحاسية والأخرى فضية، سنجد فرقا شاسعا والأرقام تتكلم عن نفسها.

حان الوقت لتغيير النظرة الدونية تجاه الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة عموما والرياضيين منهم على وجه الخصوص، بما أن هذه الأسطر تستهدف بالأساس المجال الرياضي، تماشيا مع ما جاء في معاهدات حقوق الإنسان واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة التي دخلت حيز التنفيذ قبل عقد من الزمن والكف عن معاملتهم معاملة شفقةٍ وإحسانٍ وتمكينهم من الوسائل نفسها المسخرة لباقي أفراد المجتمع ليساهموا مساهمة فعالة في جميع مناحي الحياة، بحيث تبقى الإنجازات السالفة الذكر خير شاهد على الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها هذه الفئة.