نجح الأسير وليد دقة من جديد في كسر القيود التي يفرضها السجان والاحتلال الإسرائيلي، عبر إصدار روايته "سر الزيت" من وراء القضبان، كما نجح رفاقه ومحبو الأدب الفلسطيني في كسر كل محاولات السلطة الإسرائيلية منع تنظيم لقاء لإشهار الكتاب. وتوافد العشرات إلى مقر حزب التجمع الوطني الديموقراطي في حيفا للاحتفال بما يمثله الكتاب ضمن إبداعات السجون والمقاومة.
وعُقدت الأمسية، مساء أمس السبت، احتفاءً بإطلاق رواية الأسير وليد دقة "سر الزيت"، والذي مضى على أسره 33 عاماً، بدعوة من حزب التجمع الوطني الديموقراطي وحراك حيفا، وتقديراً لحصول الرواية على جائزة "اتصالات لكتاب الطفل" 2018، من معرض الشارقة الدوليّ للكتاب.
وافتتحت الندوة سناء سلامة، زوجة الأسير، بالحديث عن الكتابة والنشر من قلب الأسر. وقالت: "كتاب سر الزيت جزء من ثلاثية سر السيف، وسر الطيف. هذا الكتاب عن الأسر، وكتاب سر السيف عن اللجوء، وخرج من السجن ويمر الآن بمرحلة التدقيق، والجزء الثالث سر الطيف عن الشهادة والشهداء، وهي رواية عن مكونات شعبنا الفلسطيني. لذلك كونوا معنا في التحديات المستقبلية".
وأضافت "أنا متأكدة أن عُمر وليد في الاعتقال أكبر من عمر الشباب الموجودين هنا. وأعتقد أن بلورة قضية الأسر في ذهن أسير هي بحدّ ذاتها عبقرية صمود وتحدٍ ومقاومة. فالكلام عن وليد هو الكلام عن قضية أسرى كثيرين مثل وليد. هو مقاوم ومناضل لم يستطع أن يتجاهل قدرته على تحليل والتقاط السياسات الإسرائيلية الموجهة ضد شعبه".
وقرأت سلامة رسالة وليد دقة للحضور عن صدور الكتاب، وجاء فيها: "ليس السجن بأسواره وأسلاكه الشائكه هو الذي يأسرنا فحسب، ولو سألتمونني ما هو أهم استخلاص لك خلال هذه العقود الثلاثة التي أمضيتها في السجن، لقلت إننا فقدنا فلسطين، لا لأننا ضعفاء وإنما نحن ضعفاء بفعل الجهل، ومنقسمون بفعل الجهل. الجهل هو أشد أعدائنا، والجهل هو أخطر السجون، ويحول عقلك إلى زنزانةٍ تحتجز فيها مستقبلك ومستقبل الأجيال القادمة".
وتابعت الرسالة "لم يكن دافعي لكتابة حكاية سر الزيت هو الإبداع، وإنما الصمود داخل الأسر. ولم يكن الصمود ممكناً كل هذه السنوات الطويلة من دون أن أحرر عقلي من زنزانته رويداً رويداً، وبقدر ما أرغب في التحرر من السجن، أريد أن أنتزعه مني. أكثر ما آلمني هو أنني عايشت في الأسر الجد والابن والحفيد، وشعرت بأن ثمة سيناريو يعيد نفسه، وكأن السجن وِرث يرثه الأبناء والأحفاد عن الأجداد. ولهذا أردت أن يخرج جود في حكاية سر الزيت عن هذا المألوف، وأن يخط طريقه خارج الدروب التي تؤدي إلى السجن، وأن يفكر في المستقبل على نحو مختلف عما فكرت فيه أجيالنا، أردت أن أطلق العنان لخيال هذه الأجيال حتى تتحرر من السيناريوهات التي أعدت لنا، ودخلت أجيال وشعب بكامله داخل الأسوار".
وتحدّث رأفت آمنة جمال، مدرس اللغة العربية، عن أدب الأسر والأسير الفلسطيني وقال: "كلمة سجن مشينة وترتبط بالإجرام، بينما أدب الأسر يبدو أكثر قيمة. وأعتقد أن أدب الأسر هو جزء من أدب السجون، وإن كانت العبارة الثانية مستخدمة أكثر في الدول العربية والعالم، في حين أن أدب الأسر محصور أكثر في فلسطين". وأضاف جمال "كل الأدب الذي يكتب من خلف القضبان في أسر أو سجن يعتبر أدب سجون".
كما تحدّث الشاعر علي مواسي عن كتاب "سرّ الزيت" قائلاً: "النص السردي موجه للفتيان ويندرج ضمن أدب الفتيان، وهذا يحمّل الكتاب جانباً تربوياً وآخر عن الهوية. وباعتقادي أن هذا العمل نموذج يمكن الاعتماد عليه في أي مؤسسة ومدرسة تضطلع بالشأن التربوي والثقافي في تنشئة الشبيبة والطلاب. كونه يتمتع بثلاث خصائص رئيسية: أولا، أنه ممتع كونه يطرح قضايا سياسية واجتماعية شائكة في قالب جمالي ممتع. ثانيا لأن فيه درجة عالية من الإتقان في إخراج الكتاب وتحريره وصياغته وبنيته. وثالثا لأن مجمل الخطاب في هذا الكتاب والمعاني التي يطرحها يرتكزان على السؤال عن العدالة والحرية بصيغة جمعية فلسطينية من دون أن تنكر الفرد. كما تبتعد عن الشعار السياسي المباشر الواضح".
وتلا الممثل وسيم خير أجزاء من الرواية، التي كتب الأسير وليد دقّة، المعزول في سجن رامون الصحراوي منذ سنتين، على غلافها: "أكتب حتى أتحرّر من السجن، على أمل أن أحرّره منّي".