حياكة الفركة

30 يناير 2016
(Getty)
+ الخط -
تقريباً؛ لا يخلو بيتٌ في مدينة نقّادة الواقعة في جنوب مصر من "نول" يدوي، إذ تشتهر هذه المدينة العريقة بصناعة النسيج عموماً، و”الفِركة" بصفة خاصة. والفِركة، بكسر الفاء، نسيج مصبوغ، لا تدخل فيه تجهيزات الحياكة الأخرى كالتفصيل والتطريز. وهي في الأصل صناعة فرعونيّة، لم تخلُ منها المدينة في العصور المختلفة حتى اليوم. حيث يتوارث الأبناء مهنة الأجداد.

تتنوع الفركة الآن إلى الطرحة والملاية التي ترتديها النساء في السودان والصعيد، والشال الذي يرتديه الرجال للزينة والوقاية من برد الشتاء في وقت واحد. وكانوا يطلقون عليها في صعيد مصر اسم "الستر".

المادة الخام التاريخية لهذه الصناعة هي خيوط الكتان ثم الصوف، كما دخلت عليها خيوط الحرير الطبيعي والقطن، قبل أن يدخل عليها أخيراً الحريرُ الصناعي القادم من الصين والهند.
تشتهر الفركة كثيراً في السودان، المستورد الأول لها من نقادة عبر التاريخ. حيث يهتم بها السودانيون خاصة في المناسبات كالأفراح والولادة وغيرها. كما تطلبها أيضاً النساء الأفريقيات في كينيا والصومال وتنزانيا وغيرها، لاعتقادهن أنها تجلب الحظ والبركة.

كذلك يتجه مخرجو الأفلام إلى نقادة، حيث يحتاجون إلى الفِركة زياً أساسياً في ملابس أبطال الأفلام التاريخية، مثلما فعل المخرج، يوسف شاهين، أثناء إخراجه لبعض أفلامه كـ "المصير" و"المهاجر".

يعمل في مجال صناعة الفركة أكثر من 700 أسرة، على حوالى 1400 نول يدوي، ووفقاً دراسة للدكتور عبد اللطيف حسين، فإنه حتى نهاية الثمانينات كان حوالى 70% من أهالي نقادة البالغ عددهم حوالى 150 ألف نسمة، يعملون في مجال النسيج، انخفضت نسبتهم إلى حوالى 40% بعد تدهور العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان أكبر مستوردي الفركة. وقد أثّر ذلك سلباً على هذه الصناعة.

تتم عمليات التصنيع داخل الورش على نول أو اثنين في مساحة لا تقل عن 12 متراً مربعاً، وتتعدّد أنواع الأنوال ما بين النول الموجود في حفرة تحت الأرض، الذي تشتهر به مدينة نقادة نفسها وقرية الخطارة التابعة لها. والنول العادي المقام فوق سطح الأرض، وتشتهر به قرية كوم الضبع. والنوع الأخير هو الأكثر حداثة، ويشبه نول صناعة السجاد الحديث.

وتنقسم المنتجات، إلى الفركة السودانيّة، والفركة السياحيّة التي صارت أكثرَ إنتاجاً في الوقت الحاضر لسهولة توزيعها، إلى جانب الكوفيّة السياحيّة والشال السياحي. حيث يتمُّ توزيع المنتج في المدن السياحية الكبرى كالقاهرة والغردقة والأقصر وشرم الشيخ.

وعلى الرغم من رخص ثمن الفركة المصنوعة في مدينة نقّادة؛ فإنَّها تواجه تحدّياً كبيراً، بسبب الفركة المُقَلّدة في الصين، والتي أغرقت السوق المصري والسوداني بأسعار أقلّ كثيراً من السلعة المصرية التي تعاني من ارتفاع أثمان المواد الخام والأيدي العاملة، وعدم دعم الدولة لهذه الصّناعة العريقة.


اقرأ أيضاً: شاب مغربي يكتشف القارة الإفريقية مشيا على الأقدام
المساهمون