حياة طفل المقاومة

10 مايو 2017
للوالدين دور واضح في تربية طفل المقاومة(Getty)
+ الخط -
تتبلور شخصية الطفل وتنمو وفقا للفطرة البشرية في النمو، ووفقا للبيئة المعاشة، لكل بيئة مظاهرها النفسية والاجتماعية الخاصة، لكل أسرة خصوصيتها في سبل التنشئة والحدود الثقافية والاجتماعية، فنجد أن الطفل ينشأ في بيئة المقاومة مختلفاً عن باقي الأطفال في البيئات الأخرى، فتراه يتمتع أكثر من أقرانه في البيئات الأخرى بمستويات الصلادة النفسية، أي لديه قوة في تحمل واقع بيئة المقاومة، والتي تتسم بمظاهر عدم الأمن والاستقرار والمليئة بحالات الفقد والحرمان. 
يحتاج الطفل فطريا لتنمو شخصيته بشكل ايجابي إلى تلبية كافة احتياجاته النفسية والاجتماعية والتعليمية وفق بيئة آمنة مستقرة حرة، يستطيع الطفل فيها إبراز شخصيته وتشكيلها بنجاح ولأن بيئة المقاومة بيئة فيها نزاعات ما بين الحق والباطل فهي مختلفة وتنتشر فيها حالات الألم والحزن وتقييد الحريات وعدم الاستقرار، تلك المظاهر هامة أيضا في تشكيل شخصية الطفل لما لها من آثار سلبية وأخرى إيجابية على نموذج سلوك الطفل المعاش.
وقد أجريت العديد من الدراسات النفسية والسلوكية على الطفل الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة كنموذج لفعل المقاومة، منها دراستان قمت بهما شخصيا في العام 2008 والعام 2011، وقد تناولت تلك الدراسات انعاكاسات بيئة الحرب على الطفل الفلسطيني، وقد أظهرت الدراسات أن الطفل الفلسطيني يتمتع بصلادة نفسية مقاومة للضغوط النفسية الناتجة من فعل إجراءات الحصار والقمع والترهيب الممارسة ضد الأراضي الفلسطينية.

كما بينت الدراسة أن أهم السلوكيات الإيجابية التي تمتع بها الطفل هي سلوكيات المرونة، التكيف، وإيجاد بديل مناسب لتحمل الإثارة السلبية، تليها سلوكيات الصلادة النفسية، والمبادرة وتحمل المسؤولية، كما أبدى الأطفال ضعفا اتجاه تحمل مشاهد العنف والقتل والدمار، كما أشارت إلى أن إجراءات المساندة الاجتماعية حصلت على أعلى نسبة بحثية في مساعدة الطفل في ظروف الحرب.
وفي تقرير حديث للجنة الصليب الأحمر الدولي في غزة، أشار التقرير إلى قدرة الغزيين على التحمل وأنهم يتمتعون بصلادة نفسية عالية.


طفل حياة المقاومة طفل كباقي أطفال العالم، يحمل في شخصيته، مستويات مبتدئة على التحمل والعيش، لكن البيئة الداعمة هي التي تشكل شخصيته وتجعلها أكثر إيجابية رغم الظروف الصعبة التي يحياها، فالطفل في نموه وتطوره يتسم بدقة الملاحظة والتقليد، وبيئة المقاومة بيئة وفيرة بالسلوك المعبر عن الشجاعة والإرادة والتعاطف الاجتماعي والصلادة النفسية وتعزيز سلوكيات الخير والحق وتقدير الذات وإثباث النفس وتخطي الأزمات، الطفل يعيش وسط ذلك كله ليس عابثا بل ملاحظا دقيقا لما يدور، متسائلاً عن كل ما يدور مقلدا لفعل المقاومة.

وتتخد الأسرة والوالدان دوراً واضحا في تربية الطفل والرد على تساؤلاته بوضوح، وبأسلوب مناسب لطفولته، وتقديم سلوك شجاع تجاه المواقف الصعبة، بالإضافة إلى اهتمام بيئة المقاومة بالأطفال، وتعزيز سلوكياتهم بفعل المقاومة من خلال أساليب إيجابية، منها شغل أوقات الفراغ بمساعدة الطفل في إبراز قدراته كالرسم، المبادرة، الإبداع، انتشار أنشطة الدعم النفسي والمساندة الاجتماعية في البيئة، تشجيع الأطفال على المشاركة في فعل المقاومة بصورة مناسبة كتشجيع الأطفال على العمل التطوعي، والحفاظ على البيئة، والمبادرة بزيارة الجرحى الأقارب، التوجه لتهنئة الأسرى المحررين، المشاركة في اعتصام جماهيري لنصرة فعل المقاومة.

كما أن المدرسة تقدم دوراً هاماً من خلال الأنشطة اللامنهجية، من تحية العلم والوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء، وتنفيذ الأنشط الكشفية وأنشطة من التراث لإحياء المناسبات الوطنية، تلك بيئة غنية لصقل شخصية طفل فعل المقاومة والاستمرار في الحياة بكل المجالات التعليمية والحياتية.