في طريقك إلى أغوار فلسطين، جندي إسرائيلي واحد قد يعيق رحلتك، ومزاجه قد يتحكم في مصير يومك. فعلى الحاجز العسكري المزروع عند مشارف الأغوار، يتلذذ الحراس في إذلال الفلسطينيين. بعضهم يُحتجز لساعات، وذنبه أنه أراد العبور إلى أرضه التي يزرعها.
يشير لك جندي إسرائيلي لتفتح نافذة السيارة، ويطلب هويتك الشخصية، قبل أن يتحقق من المعلومات على جهاز حاسوب في غرفة مجاورة، ليعود بعد لحظات ويسألك من أين أتيت وإلى أين تذهب وما الهدف من توجّهك إلى الأغوار. بعد ذلك، قد يُسمح لك بالمرور أو قد يأمرك بالعودة من حيث أتيت بعدما تكون قد اجتزت عشرات الكيلومترات.
بعد عبور هذا الحاجز العسكري مباشرة، تدخل إلى الأغوار الشمالية التي تترامى أطرافها لتصل إلى مساحة تبلغ نحو 400 ألف دونم. لكن قوات الاحتلال تمنع الفلسطينيّين من استغلال معظم تلك الأراضي التي تحولت أجزاء كبيرة منها إلى معسكرات تدريب، فيما ضُمّت أخرى إلى المستوطنات، فراح المستوطنون يزرعون مساحات واسعة منها بأحدث الطرق الزراعية ويروونها بكميات وفيرة من المياه.
عبد الحكيم عبد الرازق مزارع فلسطيني، لا يجد بديلاً عن فلاحة أرضه وتحدي كل التهديدات الإسرائيلية. بالنسبة إليه، فإن عدم زراعة الأرض يعني مصادرتها من قبل الاحتلال الذي يوسّع مستوطناته ومعسكرات التدريب تكراراً في مناطق الأغوار. يحاول عبد الرازق مواكبة التطوّر الزراعي واستخدام كل التكنولوجيا المتاحة على مساحة 1800 دونم، إلا أن مضايقات الاحتلال تطاله. فيُحرم من المياه اللازمة لريّ زرعه، في حين تلوّث الأراضي بالمياه العادمة التي تصرّف من المستوطنات بهدف التأثير على الإنتاج الفلسطيني، من دون أن ننسى عمليات الاقتحام المتكررة. ويصل الأمر أحياناً إلى إجبار المزارعين على مغادرة أرضهم تحت تهديد السلاح، إلا أن الفلاحين يصمدون في وجه الاحتلال ويرفضون المغادرة مهما كانت التحديات.
ويشير عبد الرازق إلى أن اعتماد الأسواق الفلسطينية على إنتاج الأغوار الشمالية من الخضار والفواكه، كبير. ويعيد ذلك إلى خصوبة التربة والمناخ المناسب للزراعة. لكنه يوضح أن مضايقات الاحتلال المتكررة وعدم توفّر الدعم الفلسطيني اللازم للمزارعين، وبالشكل المطلوب يؤدي إلى انخفاض الإنتاج.
ويخبر أنه أقام مشروعه الخاص مع شقيقه ولم يجد أي دعم رسمي له، مشيراً إلى تكبده "خسائر في العام الماضي، بعد زراعة البطيخ بتشجيع من وزير الزراعة الفلسطيني السابق، وليد عساف الذي قام بمحاولات جادة لدعم زراعة هذا الصنف وحاول الانفتاح على أسواق عربية لتصديره. لكن الموسم لم يعط النتائج المتوقعة بسبب استمرار استيراد البطيخ الإسرائيلي وإغراق الأسواق الفلسطينية به".
إذا كان عبد الرازق يملك مع شقيقه 1800 دونم، فإن معظم المزارعين في الأغوار لا يملكون مثل تلك المساحات. كل منهم يزرع ما بين 20 و50 دونماً، وتكون عادة ملكاً لآخرين.
وعلى مسافة قريبة من أراضي عبد الرازق تمتد كروم عنب على مساحات واسعة. ولدى السؤال عنها، يتبيّن أنها أراض فلسطينية صادرها الاحتلال ويزرعها المستوطنون. وفي كثير من الأحيان يعمل فيها عمال فلسطينيون بموجب تصاريح خاصة.
إلى ذلك، يروي زايد عبد من منطقة بردلة في الأغوار الشمالية، معاناته المتكررة مع الاحتلال. فيشير إلى شح المياه فيما تغرق بها مزارع المستوطنات، وإلى عمليات اقتحام متكررة وقطع للتيار الكهربائي ومنع لعمليات البناء.
وإذا كانت ظروف حياة المواطنين تبدو أفضل إلى حدّ ما في بردلة، إذ تصلهم خدمات الكهرباء والمياه وتتوفّر لديهم المدارس، فعلى بعد كيلومترات عدّة في مناطق المالح والمضارب البدوية، تبدو الحياة جحيماً.
ولا يتوقف رئيس المجلس القروي في تلك المناطق عارف دراغمة، عن توجيه مناشدات للحكومة الفلسطينية من أجل المساهمة في تطوير المنطقة، وتمكين السكان من الصمود في أرضهم، حيث ما زالوا يعيشون بطريقة بدائية على ضوء السراج ومن دون بنى تحتية حقيقية.
ويشير دراغمة إلى أن حياة المواطنين في المالح والمضارب البدوية بدائية للغاية. فهم مثلاً لا يعرفون الأجهزة الكهربائية لعدم توفّر التيار الكهربائي، وبالرغم من ذلك صامدون في أرضهم.