بدأ أحمد ولد الجماني بنقل أثاثه إلى شقة جديدة استأجرها بعد أن ضاق به منزل والده، خصوصاً أنه سيرزق بطفل ثان بعد أشهر قليلة.
وبالرغم من معارضة العائلة لقرار ولد الجماني باستئجار منزل خاص به وبزوجته، فإنه يعتقد أن منزل العائلة الكبير لم يعد ملائما له، فأسرة أخيه الأكبر الموجود خارج البلاد تعيش في منزل الأسرة أيضاً. كما أنه حصل على عمل في إحدى المؤسسات الخاصة، وصار بإمكانه الانتقال.
وأكد ولد الجماني لـ"العربي الجديد"، أن قراره يهدف إلى توفير مكان أوسع لعائلته، نافيا وجود أي خلاف عائلي. وأشار إلى أن علاقته بوالديه "فوق كل اعتبار"، وهما ساعداه نتيجة السكن مع عائلته الكبيرة على ادخار بعض المال يمكّنه من استئجار منزل.
حالة ولد الجماني تنطبق على غالبية الشباب الموريتاني الذين يبقون في منازل عائلاتهم نظرا لظروفهم الاقتصادية، وتطبيقا لعرف اجتماعي قديم. لكن الحياة المدنية أجبرت كثيرين على الخروج من منزل العائلة بحثا عن الاستقلالية والخصوصية.
الناشطة زينب بنت سيد محمد، تقول: "لاحظت تأثير الحياة في المدينة على نظام العائلة الكبيرة، فكثير من العائلات صار ارتباطها بقراها ضعيفا جدا. ومع ازدياد مصاريف الحياة المدنية أصبح الأبناء لا يرغبون بزيارة القرية أو البادية، فالأجداد يجبرون أبناءهم على زيارتهم في مواسم معينة، كالزواج أو التعزية أو العطلة السنوية للمدارس"، مشيرا إلى أن "لقاءات أبناء العمومة والخؤولة أصبحت نادرة، ويتذرعون بانشغالات العمل ومتابعة مدارس الأبناء".
وتوضح بنت سيد محمد لـ"العربي الجديد"، أن "تفكك نظام العائلة الكبيرة بسبب سرعة وتيرة الحياة ووسائط التواصل الاجتماعي زادت الوضع سوءا، كما أن المجتمع الموريتاني لم يعد محافظا على نظام العائلة الكبيرة، بل بدأ يسير سيرا حثيثا نحو الضعف والتفكك بسبب تعقيد ظروف الحياة وتغير المفاهيم".
الباحثة الاجتماعية لغنية بنت إبراهيم، تقول لـ"العربي الجديد"، إن "نظام العائلة الكبيرة نظام قديم متجدد يضرب جذوره في تاريخ البلد ونظامه الاجتماعي، ويستمد قوته من عادات المجتمع التي تقوم علی التكاتف والتعاون، وهو نظام يخلق روح المودة والرحمة ويقوي روابط الأخوّة والصحبة والقرابة بين أبناء العائلة الكبيرة، وبينهم وبين مجتمعهم".
وتضيف بنت إبراهيم "رغم إيجابيات وحسنات نظام العائلة الكبيرة، إلا أن لها مساوئ علی الفرد، فهي إن وحّدت وقرّبت بين النفوس وزادت في اللحمة بين أفرادها، إلا أنها زادت من الهوّة بين أفراد المجتمع. إذ إن لكل عائلة كبيرة مصالحها وعاداتها التي تتجاوز مصالح الآخرين وتدوسهم من أجل إبقاء نظامها متماسكا".
وتشير بنت إبراهيم إلى أن "غالبية هذه العائلات مبنية علی القرابة والنسب، أي أن الجميع من أبناء العمومة، لذلك هم يحاربون دخول البعيد نسبا في نظامهم المحكم (زوج أو زوجة). كما يؤثر نظام العائلة الكبيرة علی حرية الأفراد فكريا ووظيفيا وسياسيا وحتی تعليميا، إذ تحكمه سياسة (سي السيد)، كما هو معروف عند الصعايدة في مصر".
وترى الباحثة أن "نظام الأسرة الكبيرة يتيح للأب التحكم عبر رأيه بأفراد أسرته المنضوين تحت سلطته، فهم لا يحق لهم مخالفته في السياسة والقضايا الاجتماعية. كما أن اختيار أحد أفراد الأسرة زوجة من خارج قبيلته أو حتی خارج (الفخذ) الذي ينتمي له، والإتيان بالغريبة يكون مصيره المقاطعة والنبذ".
وتعتبر بنت إبراهيم أن "أكثر المتضررين من ذلك هي المرأة التي قررت الخروج عن نطاق تلك العائلة، واختيار شريكها من خارجها".