مراكز اللجوء المؤقتة في هولندا، أو "الكامبات"، يقيم فيها المهاجر قبل حصوله على حق اللجوء نحو عام كامل. عام يحمل كثيراً من الضغوطات
وفقاً للقرارات المحدّثة لقوانين اللجوء في هولندا، باتت مدة انتظار طالب اللجوء تمتد إلى نحو عام وربما أكثر كي يتمكن من لمّ شمل عائلته، أو إيجاد منزل دائم في إحدى المدن أو المقاطعات. كلّ ذلك الوقت يمضيه المهاجر في مراكز الاستقبال واللجوء المؤقتة. ولا يستقر مقامه إلّا بعد حصوله على حقّ اللجوء والإقامة.
تعدّ هذه الفترة الزمنية الطويلة التي يمضيها طالب اللجوء تجربته الأولى وربما الأكثر تأثيراً في علاقته بالبلد المضيف والمجتمع والثقافة الجديدة. يتجسد لديه حين يكون في هذه الكامبات التي تثير التوتر والقلق، ويتنقل بين أربعة أو خمسة منها، مفهوم "اللجوء" من خلال سلسلة الإجراءات التي يمر بها، أو ينتظر بدءها. كذلك تعدّ حياة الكامب أيضاً مسرحاً لاختبار العلاقات الاجتماعية والثقافات الأصلية. بالإمكان ملاحظة تأثير الزمن وهذا الواقع ومظاهره على العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين اللاجئين. وتمتد تلك التأثيرات التي تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية، إلى ما بعد "مرحلة الكامب".
من المظاهر السلبية مثلاً ما يمكن وصفه بعادة النميمة الاجتماعية والشائعات التي لا تنتهي، حتى حين يدرك كثير من "جمهورها" أنّ لا قيمة لها في مجتمع كالمجتمع الهولندي. ويعني ذلك أن يتحوّل سلوك المهاجرين إلى موضوع المراقبة ونقد السلوك والتصرف، والتشهير بالمختلف ثقافياً أو عزله واستبعاده وحتى تعنيفه، كما يحدث للمثليين جنسياً أو الملحدين أو حتى المنتمين إلى أقليات أو مذاهب مختلفة، وصولاً إلى المختلفين سياسياً حول قضايا البلد الأصلي حتى. هذا المنسوب من النميمة أو الاستبعاد والوشاية (الكيدية في هذه الحالة) إلى إدارة الكامب أو الهجرة، مترافقاً مع الاكتئاب والقلق، تنتج عنه أحياناً مشاكل عائلية أو بين بقية اللاجئين. وقد تستدعي هذه المشاكل أحياناً تدخلاً من الشرطة أو منظمات الأسرة.
بالنسبة إلى المهاجر الآتي حديثاً، والذي لا يملك أيّ معلومة عن البلد ولا عن إجراءات اللجوء فيه، فإنّه كثيراً ما يقع تحت ضغط وتوتر كبيرَين من جراء الشائعات التي تدور حول عملية اللجوء ومن هو المؤهّل للحصول على الإقامة وما الذي يجب قوله من عدمه.
اقــرأ أيضاً
وفقاً للقرارات المحدّثة لقوانين اللجوء في هولندا، باتت مدة انتظار طالب اللجوء تمتد إلى نحو عام وربما أكثر كي يتمكن من لمّ شمل عائلته، أو إيجاد منزل دائم في إحدى المدن أو المقاطعات. كلّ ذلك الوقت يمضيه المهاجر في مراكز الاستقبال واللجوء المؤقتة. ولا يستقر مقامه إلّا بعد حصوله على حقّ اللجوء والإقامة.
تعدّ هذه الفترة الزمنية الطويلة التي يمضيها طالب اللجوء تجربته الأولى وربما الأكثر تأثيراً في علاقته بالبلد المضيف والمجتمع والثقافة الجديدة. يتجسد لديه حين يكون في هذه الكامبات التي تثير التوتر والقلق، ويتنقل بين أربعة أو خمسة منها، مفهوم "اللجوء" من خلال سلسلة الإجراءات التي يمر بها، أو ينتظر بدءها. كذلك تعدّ حياة الكامب أيضاً مسرحاً لاختبار العلاقات الاجتماعية والثقافات الأصلية. بالإمكان ملاحظة تأثير الزمن وهذا الواقع ومظاهره على العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين اللاجئين. وتمتد تلك التأثيرات التي تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية، إلى ما بعد "مرحلة الكامب".
من المظاهر السلبية مثلاً ما يمكن وصفه بعادة النميمة الاجتماعية والشائعات التي لا تنتهي، حتى حين يدرك كثير من "جمهورها" أنّ لا قيمة لها في مجتمع كالمجتمع الهولندي. ويعني ذلك أن يتحوّل سلوك المهاجرين إلى موضوع المراقبة ونقد السلوك والتصرف، والتشهير بالمختلف ثقافياً أو عزله واستبعاده وحتى تعنيفه، كما يحدث للمثليين جنسياً أو الملحدين أو حتى المنتمين إلى أقليات أو مذاهب مختلفة، وصولاً إلى المختلفين سياسياً حول قضايا البلد الأصلي حتى. هذا المنسوب من النميمة أو الاستبعاد والوشاية (الكيدية في هذه الحالة) إلى إدارة الكامب أو الهجرة، مترافقاً مع الاكتئاب والقلق، تنتج عنه أحياناً مشاكل عائلية أو بين بقية اللاجئين. وقد تستدعي هذه المشاكل أحياناً تدخلاً من الشرطة أو منظمات الأسرة.
بالنسبة إلى المهاجر الآتي حديثاً، والذي لا يملك أيّ معلومة عن البلد ولا عن إجراءات اللجوء فيه، فإنّه كثيراً ما يقع تحت ضغط وتوتر كبيرَين من جراء الشائعات التي تدور حول عملية اللجوء ومن هو المؤهّل للحصول على الإقامة وما الذي يجب قوله من عدمه.
"الشللية" (من شلّة) المبنية على أساس جغرافي أو عائلي هي أحد ظلال الكامب، وكذلك السمسرة واستغلال حاجة الفرد في غياب أي مورد مالي. يظهر هذا الأمر بصورة جلية ما قبل البدء بإجراءات اللجوء وخلالها، فطالب اللجوء لا يبدأ في معظم الحالات بتلقي إعانة مالية أسبوعية من الحكومة الهولندية إلّا بعد حصوله على قرار الإقامة. كذلك يتورّط بعض اللاجئين الواصلين أبكر نسبياً أو المنتظرين إجراءات إسكانهم، بمظاهر السمسرة أو بيع الدراجات المسروقة. السمسرة تبدأ من بيع رصيد لهواتف نقالة، وتمرّ بالحشيش والطعام وبطاقات المواصلات التي يحصل عليها اللاجئ من إدارة الكامب إذا كان لديه موعد أو مقابلة رسمية خارج الكامب. وهي بطاقة صالحة للتنقل ليوم كامل في كلّ وسائل المواصلات العامة ويدعى "داخ كارت" أي بطاقة اليوم. ويصل الأمر إلى بيع الملابس التي سبق وتبرّعت بها كنائس أو منظمات ترعى اللاجئين داخل أسوار الكامب.
يقول وائل النديم، محامٍ من سورية، إنّ فترة الكامب والغربة بشكل عام "تظهر معادن البشر على حقيقتها". يعدّد سلبيات واجهته خلال فترة إقامته في مخيّمات هولندا التي امتدت قرابة عام، من بينها السمسرة وعدم تقبل الآخر المختلف والسرقة. ومنها أيضاً الفهم غير الواضح للقوانين الهولندية، والتي تزداد غموضاً بسبب الشائعات. وهي عوامل نفسية ضاغطة جعلت فترات غير قصيرة بتلك التجربة صعبة ومريرة. ففي إحدى الحالات، سُرقت أوراق أحد الحاصلين على حق اللجوء من خزانته، فتأجل لقاؤه بعائلته ولمّ الشمل نحو عام إضافي. أما إعادة تجميع تلك الأوراق واستصدارها، فقد كلفت مبلغاً فاق الذي حصل عليه ذلك اللاجئ كإعانة خلال عام كامل. يضيف النديم أنّ طبيعة المكان وعدد المتواجدين فيه لفترة طويلة بالإضافة إلى تشارك المقتنيات والأغراض التي قد تكون شخصية جداً وكذلك النظافة الشخصية والعامة، كلّها تتسبب في مشاكل كبيرة، لم يكن الواحد ليفكر فيها لحظة قبل سنوات عدة، أو في البلد الأصلي. ويشير النديم الذي ملأ وقته في الكامب بالعمل في تنظيف ساحاته، إلى أنّ وضع الكامب لا يمكن أن يقارن بوضع المحاصرين والنازحين داخل سورية أو المخيمات في الدول المجاورة على سبيل المثال. على الرغم من ذلك، فإنّ جزءاً كبيراً من وقت الكامب يصرف في التذمر من إدارته أو من باقي القاطنين فيه.
بالنسبة إلى محمد الخطيب، وهو لاجئ فلسطيني يدرس حالياً في جامعة إيندهوفن، فإنّ الحياة في الكامب تجربة إلزامية "تجبر خلالها على معايشة أناس أغراب لا تجمعك بهم أي صلات ثقافية أو فكرية أو مجتمعية. الخصوصية معدومة تماماً. ويترافق هذا مع قلق ملازم لا يتوقف حتى نيل قرار الإقامة، ولاحقاً الانتقال إلى السكن ومحاولة البدء بحياة جديدة".
بالإضافة إلى سلبيات تلك الحياة، وجد محمد في زمن الكامب فرصة للتعرّف إلى أشخاص جدد، وللاستماع إلى قصص كثيرين بدءاً من الظروف التي أجبرتهم على مغادرة أوطانهم وصولاً إلى مسيرتهم التي استلزمت وصولهم إلى المملكة الهولندية. كذلك فإنّ الوقت كان متاحاً وكافياً له من أجل المطالعة وتعلم اللغة الهولندية والتعرّف على ثقافة البلد وشعبه. هذا الوقت الثمين لم يعد محمد يجده بسبب سرعة وتيرة الحياة خارج الكامب حالياً. يرى أنّ تلك التجربة قدّمت له أصدقاء جدداً تقاسم معهم لحظات ومواقف مصيرية. وبانتهاء مرحلة الكامب، انتهت "زمالة" كانت مفروضة بين المهاجرين طوال وقت طويل.
العلاقات التي تمرّ بشكل حسن بين المهاجرين، خصوصاً إذا كانوا منسجمين ثقافياً، غالباً ما تتوطد خارج الكامب، بل إنّ مسألة تجهيز بيت السكن وفرشه غالباً ما تعتمد على هذه العلاقات والصداقات. وتتطور شيئاً فشيئاً لتأخذ أبعاداً يمكن أن تتخذ شكل مظلة اجتماعية، يتظلل تحتها أفراد وجماعات لجأوا جميعهم إلى قارة المطر والضباب.
اقــرأ أيضاً
يقول وائل النديم، محامٍ من سورية، إنّ فترة الكامب والغربة بشكل عام "تظهر معادن البشر على حقيقتها". يعدّد سلبيات واجهته خلال فترة إقامته في مخيّمات هولندا التي امتدت قرابة عام، من بينها السمسرة وعدم تقبل الآخر المختلف والسرقة. ومنها أيضاً الفهم غير الواضح للقوانين الهولندية، والتي تزداد غموضاً بسبب الشائعات. وهي عوامل نفسية ضاغطة جعلت فترات غير قصيرة بتلك التجربة صعبة ومريرة. ففي إحدى الحالات، سُرقت أوراق أحد الحاصلين على حق اللجوء من خزانته، فتأجل لقاؤه بعائلته ولمّ الشمل نحو عام إضافي. أما إعادة تجميع تلك الأوراق واستصدارها، فقد كلفت مبلغاً فاق الذي حصل عليه ذلك اللاجئ كإعانة خلال عام كامل. يضيف النديم أنّ طبيعة المكان وعدد المتواجدين فيه لفترة طويلة بالإضافة إلى تشارك المقتنيات والأغراض التي قد تكون شخصية جداً وكذلك النظافة الشخصية والعامة، كلّها تتسبب في مشاكل كبيرة، لم يكن الواحد ليفكر فيها لحظة قبل سنوات عدة، أو في البلد الأصلي. ويشير النديم الذي ملأ وقته في الكامب بالعمل في تنظيف ساحاته، إلى أنّ وضع الكامب لا يمكن أن يقارن بوضع المحاصرين والنازحين داخل سورية أو المخيمات في الدول المجاورة على سبيل المثال. على الرغم من ذلك، فإنّ جزءاً كبيراً من وقت الكامب يصرف في التذمر من إدارته أو من باقي القاطنين فيه.
بالنسبة إلى محمد الخطيب، وهو لاجئ فلسطيني يدرس حالياً في جامعة إيندهوفن، فإنّ الحياة في الكامب تجربة إلزامية "تجبر خلالها على معايشة أناس أغراب لا تجمعك بهم أي صلات ثقافية أو فكرية أو مجتمعية. الخصوصية معدومة تماماً. ويترافق هذا مع قلق ملازم لا يتوقف حتى نيل قرار الإقامة، ولاحقاً الانتقال إلى السكن ومحاولة البدء بحياة جديدة".
بالإضافة إلى سلبيات تلك الحياة، وجد محمد في زمن الكامب فرصة للتعرّف إلى أشخاص جدد، وللاستماع إلى قصص كثيرين بدءاً من الظروف التي أجبرتهم على مغادرة أوطانهم وصولاً إلى مسيرتهم التي استلزمت وصولهم إلى المملكة الهولندية. كذلك فإنّ الوقت كان متاحاً وكافياً له من أجل المطالعة وتعلم اللغة الهولندية والتعرّف على ثقافة البلد وشعبه. هذا الوقت الثمين لم يعد محمد يجده بسبب سرعة وتيرة الحياة خارج الكامب حالياً. يرى أنّ تلك التجربة قدّمت له أصدقاء جدداً تقاسم معهم لحظات ومواقف مصيرية. وبانتهاء مرحلة الكامب، انتهت "زمالة" كانت مفروضة بين المهاجرين طوال وقت طويل.
العلاقات التي تمرّ بشكل حسن بين المهاجرين، خصوصاً إذا كانوا منسجمين ثقافياً، غالباً ما تتوطد خارج الكامب، بل إنّ مسألة تجهيز بيت السكن وفرشه غالباً ما تعتمد على هذه العلاقات والصداقات. وتتطور شيئاً فشيئاً لتأخذ أبعاداً يمكن أن تتخذ شكل مظلة اجتماعية، يتظلل تحتها أفراد وجماعات لجأوا جميعهم إلى قارة المطر والضباب.