حوار شامل مع "مقصّ الرقيب" في لبنان

30 سبتمبر 2014
العميد الرّكن جوزيف عبيد (العربي الجديد)
+ الخط -
يُحكى عن الرقابة في لبنان، وعن جهازٍ رقابيّ غير متساهلٍ، يستعمل سطوته  لمنع عرض مسرحية، طبع كتبٍ، وأفلام سينمائية لأسباب دينيّة وطائفيّة، تحريضيّة.

في حين يرى بعضهم أنّ الرقابة في لبنان، تفرض سلطتها من دون "رحمة" على كل ما يستفزّ القيم والأخلاق والدين ويتحدّى الجرأة والقانون في عالم الإعلام والإعلان، يرى البعض الآخر أنّ الرقابة تتساهل حين تسمح بتمرير مواد لا تحترم حقوق الإنسان، كالإعلانات التي تضع المرأة في خانة السلعة لتسويق مادة تجارية ما، أو استعمال الطفل في مشهد دموي مثلا. "العربي الجديد" يفتح ملفّ الرقابة التي يختصّ بها الأمن العام اللبناني، لتسليط الضوء على قانون الرقابة وتبيين معايير المسموح من الممنوع. منع مشهد، أو عدم منعه، قرارٌ لا يُتّخذ في مكتب شؤون الإعلام داخل مكاتب الأمن العام. فقبل أن يتمّ طلب تعديل المحتوى أو إلغائه، يُعقَد اجتماعٌ يحضرهُ ممثلون عن خمس وزارات: الإعلام، الخارجية ، التربية، الاقتصاد والتجارة والشؤون الاجتماعية. ثم يتم تحويل المادة إلى وزارة الداخلية، حيث يتم اتخاذ القرار النهائي بالسماح أو بالمنع، من قبل الوزير نفسه.

وتبعاً لما يحصل اليوم في لبنان بعد خطف بعض عناصر الجيش اللبناني، وانتشار فيديوهات دموية على مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، يوضح الأمن العام موقفه من هذه المشاهد. العميد الرّكن جوزيف عبيد، رئيس مكتب شؤون الإعلام في الأمن العام، أوضح لـ"العربي الجديد" اللغط القانوني المثار، وردّ على الشائعات التي طالت الرقابة في لبنان، وشرح صلاحيّات الأمن العام، وبيّن توزيع الأدوار بين الوزارات والأقسام المُختصّة والمعنيّة بملفّ الرقابة.
- ما هي الرقابة وهل من سقفٍ معيّن لها؟

الرقابة مصطلح قديم لم يعد مستعملاً في أيامنا، كانت هناك وجوه عدّة للرقابة تختلف بين ظرف وآخر أو زمن وآخر.
أمّا في أيّامنا هذه، خلال عصر الانفتاح والإنترنت، فقد زالت الرقابة. مع تعيين اللواء عباس ابراهيم مديرا للمديرية العامة للأمن العام، اعتُمدت سياسة جديدة بتوجيهات منه تقتضي بالانفتاح أكثر على الفنّانين والمُنتجين والمُخرجين، وأن تُلغى كلمة "رقابة" من قاموس الأمن العام، لتُصبح الأمور أكثر انفتاحا. ونقوم بالعمل مع هؤلاء الفنانين لضبط النصوص بالتفاهم والتنسيق، لتُصبح هذه النصوص مطابقة للقوانين والأنظمة اللبنانية المرعية الإجراء، من دون أن نُعمِل "مقص الرقابة"، الذي كان يُحكى عنه قديماً والذي أُلغي العمل به، وذلك كلّه تحت سقف القانون اللبناني والمراسيم والأنظمة.

- القانون اللبناني الرقابي واضح وصريح، ولكن هل يحقّ للرقيب فتح ثغرات استثنائيّة في القانون عند الحاجة؟

إنّ القانون اللبناني واضح وصريح، وقد ترك لنا كأمن عام، وكأشخاص لبنانيين يقومون بإنتاجات فنية، مساحات شاسعة من الحرية لكن ضمن ضوابط صغيرة معيّنة، لا تؤثّر على بُنية أو جودة الأعمال الفنية ( مثل عدم التجديف أو إهانة الأديان السماوية، عدم خدش الحياء العام، عدم المسّ بالدستور وتحقير الرموز الدينية..). لذلك لسنا بحاجة لشقّ ثغرات استثنائية في القانون لأنّه أعطانا كامل الحرية للإبداع والتعبير عن الرأي الراقي المتقدّم دون أيّ قيود متحجرة.

- متى يقترح الأمن العام تعديلاً على القوانين الرقابية القديمة؟

إنّ اقتراحات التعديلات على القوانين الرقابية وغير الرقابية ضمن الأمن العام هي مسألة دائمة، فنحن نسعى إلى مواكبة العصر تكنولوجياً وقانونياً ورقابياً، وضمن هذا السعي إلى التطوّر نقدّم اقتراحات تعديلات على القوانين كلّما دعت الحاجة.

لكنّ تعديل القوانين يحتاج إلى موافقة السلطة التشريعية. لذا نرسل الاقتراح وننتظر الجواب من السلطات المتخصّصة لنبادر إلى العمل بموجب إشارة هذه السلطات.

- بين المسموح والممنوع: مع ظهور وانتشار ظاهرة "داعش"، هل "الأدب الداعشي" مسموح أم ممنوع في لبنان (من السينما إلى الإعلام والإعلان)؟

لا يوجد ما يُسمى بالأدب الداعشي، وعلى ماذا يقوم هذا الأدب؟ قطع الرؤوس وأكل الاحشاء وخطف المدنيين..! بالتأكيد إنّ هذه الثقافة ممنوعة منعاً باتاً لأنّ قوانيننا وحضارتنا تمنع هذه المظاهر الوحشية غير الإنسانية أينما ظهرت في السينما أو المسرح أو الإعلام، إن كانت لـ "داعش" أو غير "داعش".

-عن مشاهد الذبح والقتل التي نشرت في محطّات عديدة: من يلعب دور الرقيب على هذه المواد المنشورة؟

إنّ مشاهد الذبح والقتل التي نُشِرَت وتمّ تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بالدرجة الأولى... هذه الوسائل ما زالت خارج الرقابة أو الضبط، لأنّه ليس لدينا أيّ مادة قانونية في الدستور أو القانون اللبناني تُتيح مراقبة الإنترنت، وبالتالي ما زالت خارج الضبط والرقابة. أما التلفزيونات اللبنانية الأرضية والفضائية فلم تظهر أيّ مشاهد ذبح بصورة واضحة واعتمدت هذه التلفزيونات رقابة ذاتية بشكل إشارات إلى هذه الجريمة، من دون إظهار مشاهد فظيعة تثير الرعب والاشمئزاز.

- إذا تمّ تحويل مسرحية معيّنة لم تُعرض على مسرح بعد إلى كتاب، ونُشر الكتاب. ثم عاد الكاتب وقرّر تحويله إلى سيناريو مسرحي: لماذا تتعرّض المسرحية إلى خطر المنع كونها قد نُشرت سابقاً ككتاب في السوق؟

إن هذه المسرحية لا تتعرض لخطر المنع، ولكن يجب اتباع الطرق القانونية لإعادة عرضها كمسرحية. فعلى صاحب العمل أو صاحب الحقّ القانوني لهذا العمل، تحويل كتابه إلى نصّ مسرحيّ وعرضه علينا وفقاً للقوانين المرعية الإجراء. عليه أن يستحصل بعدها على إجازة عرض مسرحية، دونما أيّ مشاكل في هذا المجال.

- ينتهك رجال الدين والسياسة الذوق العام والأخلاق العامة في مناسبات عديدة، مستخدمين مفردات مثيرة للفتنة ومستحضرين تاريخ الحرب اللبنانية، هل من رقيب عليهم؟

إنّ بثّ هذه الخطابات، من أيّ شخصية خرجت، على المحطات التلفزيونية، ليس من اختصاصنا. بل هو من اختصاص المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، الذي تعود له هذه الصلاحية والرقابة.
المساهمون