يتذكّر المربي الفلسطيني مصطفى البيك، أبو إياد (61 عامًا)، من سكان مدينة جنين شمال الضفة الغربية، رسائله ورسائل والديه التي كانوا يضعونها في البريد في نهاية سبعينيات القرن الماضي لإيصالها إلى شقيقه الراحل فيصل، حين كان يعمل مساعداً صيدلانياً في السعودية. ويحكي عن وقعها الجميل على القلب، لأنها كانت تطفئ ظمأ الشوق لأخيه في غربته، كما يقول لـ"العربي الجديد".
كان أبو إياد يكتب رسالة شوق واطمئنان لشقيقه فيصل، ويضع تلك الرسالة في مغلفين، أحدهما خارجي يتم وضع عنوان في لندن عليه، وفي المغلف الداخلي يضع عنوان شقيقه في السعودية، كون فلسطين أرضاً محتلة. وبقي أبو إياد يبعث تلك الرسائل حين انتقل للعمل في العاصمة الأردنية عمان، وعاد إلى فلسطين بعدها. لكنه منذ سنوات عدة صار يتواصل مع أقاربه في الخارج بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيسبوك" و"واتساب"، لأنها أسرع وأقل وقتا وجهدا.
ويوجد في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة 129 مكتبا للبريد، منها 83 مكتبا في الضفة والبقية في غزة. وتتبع تلك المكاتب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية، ومنها 11 مكتبا رئيسا تتبعها مكاتب فرعية، وفق ما أوضحت القائم بأعمال المدير العام للبريد الفلسطيني بالنيابة، وفاء عواد، في حديث لـ"العربي الجديد".
وفي العادة، تكون لتلك المكاتب شعب بريدية عدة تتولى توزيع البريد فيها مجموعة من سعاة البريد. وتؤكد عواد أن دور ساعي البريد لم يختلف، لكن الذي اختلف هو محتوى البريد، ليشمل مراسلات التجارة الإلكترونية الخارجية، ومراسلات داخلية وغيرها. وتشير عواد إلى أن الرسائل الاجتماعية ما زالت موجودة بين رسائل البريد، ومنها ما هو على شكل هدايا وبطاقات بريدية ورسائل تهنئة وتعزية، لكنها تعتبر أن الرسائل الاجتماعية قلّت بالتأكيد مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
منذ 17 عاما يعمل حسام مصلح ساعياً للبريد في مكتب بريد رام الله والبيرة، ويوزع المراسلات كما هو مطلوب منه ويوصل البريد للناس في الغالب. لكنه يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن حجم البريد زاد مع تضاعف أعداد السكان في رام الله، وزادت أعداد المنتقلين إليها للعمل من مختلف محافظات الضفة الغربية، كما زاد البريد الإلكتروني وأصبح بريدا نشطا وعاد للبريد دوره الفاعل.
وفي الغالب، فإن جل رسائل البريد الخارجي الوارد إلى فلسطين هو بريد تجارة إلكترونية، إذ زاد الإقبال عليه، ليس فقط من الشركات بل من قبل الأشخاص، لما يتوفر فيه من امتيازات، كالإعفاء من الجمارك. أما ما يتعلق بالبريد الداخلي، فالمراسلات ما زالت موجودة ما بين المؤسسات الرسمية أو بينها وبين الناس، وربما لدفع الفواتير، مشددا على ضرورة تعريف الوزارة بدور البريد الفلسطيني والترويج لمكاتب البريد، بحسب حسام.
ويبدو أن التجارة الإلكترونية ضاعفت من استخدام البريد الفلسطيني. إذ يؤكد مدير مكتب بريد محافظة رام الله والبيرة، محمد حمدان أحمد، الذي يعمل في البريد منذ 39 عاما، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن التجارة الإلكترونية ضاعفت استخدام البريد، وكذلك فإن وجود البنوك بعد مجيء السلطة الفلسطينية ضاعفه أيضاً. ويقول إن تسويق السلع والمنتجات عبر الإنترنت لعب دوراً مهماً في استخدام البريد، فتم اللجوء إلى البريد كونه وسيلة آمنة وسهلة وسريعة، بل وغير مكلفة.
و في ما يتعلّق بالرسائل الاجتماعية، فإن مدير مكتب البريد في محافظة رام الله والبيرة، يشير إلى أنها أصبحت، منذ نحو عشر سنوات، شبه منقرضة، بعدما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت على شكل هدايا عائلية، أو وثائق لأبنائهم الذين يدرسون في الخارج.
وبحسب أحمد، فإن البريد الفلسطيني يتلقى بريدا واردا أكثر من الصادر، وفي غالب البريد الوارد هو عبارة عن بريد إلكتروني.
وبإمكان البريد الفلسطيني استقبال طرود تصل لغاية 20 كيلوغراماً، ضمن شروط تتلاءم مع سياسة البريد الفلسطيني، على أن يتم تدقيقها واتباع الإجراءات المخصصة من قبل البريد الفلسطيني والعالمي، كما يوضح أحمد.