لم تقف الشهادة الأولى التي انتشرت بشأن واقعة تحرش جنسي ومحاولة اغتصاب قام بها الصحافي الاستقصائي المصري، هشام علام، عند حدود الادعاء الذي يختلف حوله المؤيدون والمعارضون، بل فتحت الباب أمام شهادات أخرى ودلائل ملموسة، جعلت التحركات النقابية والحقوقية أسرع من الرد عليها هذه المرة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، وعبر موقع "المدونة" الإلكتروني، نشرت صحافية مصرية لم تفصح عن اسمها تجربة تعرضها للتحرش الجنسي ومحاولة الاغتصاب، من قبل صحافي استقصائي بارز، اكتفت بنشر الأحرف الأولى من اسمه "هـ.ع"، وقالت إنه يعمل في واحدة من كبرى المؤسسات الصحافية الدولية. الشهادة جرّت خلفها شهادتين لصحافيّتين أخريين، إحداهما مصرية والثانية سورية تعيش في إسطنبول، روتا وقائع تحرش جنسي بنفس أسلوب "هـ.ع"، الذي رد ببيان هجومي فور انتشار الشهادة الأولى، وصمت بعد ذلك.
فقد قرر هشام علام الكشف عن هويته، رغم اكتفاء كاتبة شهادة التحرش الجنسي بكتابة الأحرف الأولى من اسمه، للرد على ما وصفه بـ"الحملة الممنهجة" التي تطاوله، عبر "موقع مجهول" و"فتاة مجهولة"، بشأن "جريمة وضيعة" منذ 9 سنوات، على حد قوله.
القضية التي تمس الوسط الصحافي والإعلامي المصري والعربي، نظرًا لأن علام يعد واحدًا من المدربين العرب للصحافة الاستقصائية، وجدت صدى واسعًا خلال الساعات القليلة الماضية.
وأصدر مجلس نقابة الصحافيين المصريين بيانًا رفض ودان فيه جرائم التحرش الجنسي ضد الصحافيات، ودعاهم للتقدم ببلاغات فورية للنيابة العامة. وصرح النقيب ضياء رشوان أن "مجلس النقابة يعلن رفضه التام وإدانته المطلقة لجرائم التحرش والاعتداء الجنسي التي وقعت في مصر وجرى الحديث والنشر عنها أخيراً ضد أي آنسة أو سيدة مصرية أو غير مصرية عموماً، وضد أي زميلة صحافية على وجه الخصوص".
وأكد رشوان أن هذه الجرائم تقع تحت طائلة قانون العقوبات الذي أفرد لها عقوبات رادعة، وضاعفها في حالة استغلال الجاني لسلطته الوظيفية أو الأسرية أو الدراسية على المجني عليه، وجعل من النيابة العامة جهة الاختصاص الوحيدة القادرة على تحريك الدعاوى بشأنها واتخاذ المسارات القانونية اللازمة من تحقيقات ومحاكمات بما يفضي إلى توقيع العقوبة القانونية الواجبة على مرتكبيها.
وأعلن رشوان أن "مجلس النقابة يدعو الزميلات والزملاء ممن لديهم علم أو أدلة أو شكاوى تخص هذه الجرائم المشينة سرعة التقدم بما لديهم للنيابة العامة حتى لا يفلت الجناة بما اقترفوا، وخصوصاً بعد تعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يوفر سرية بيانات المجني عليهم في جرائم التحرش". وستوفر النقابة عبر جهازها القانوني كل أنواع الدعم والمساندة القانونية لمن سيتقدمون من أعضائها ببلاغاتهم أو بشهاداتهم للنيابة العامة، وفق رشوان.
كما أكد رشوان قرار مجلس النقابة بأن تفعيل قانون النقابة سيكون فورياً وحاسماً تجاه كل من تثبت إدانته في أي من تلك الجرائم المشينة من أعضائها، بشطبه من عضويتها لافتقاده أحد شروط اكتسابها الأربعة وهو الشرط الثالث بحسب المادة رقم 5 من قانونها، وهو "أن يكون حسن السمعة لم يسبق الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو تقرر شطب اسمه من الجدول لأسباب ماسة بالشرف أو الأمانة".
وأكد النقيب أن مجلس النقابة سيضع نصب عينه وعلى جدول أعمال جلسته القادمة كل المقترحات والسبل التي تحفظ لكل أعضاء النقابة من الزميلات والزملاء كرامتهم وحقوقهم الكاملة في المساواة والتكافؤ، وفي بيئة عمل مواتية لكي يمارسوا مهنتهم النبيلة بحرية وإبداع يليقان بهم.
وسبق بيان مجلس نقابة الصحافيين، إطلاق مجموعة من الصحافيات المصريات بيانًا لجمع أكبر عدد من التوقيعات عليه، يطالبن فيه مجلس النقابة بالتدخل وتخصيص لجنة تحقيق محايدة وتشكيل لجنة للمرأة في النقابة.
وجاء في نص البيان الذي وقع عليه العشرات وما زال يستقبل توقيعات "نحن صحافيات مصريات هالنا ما قرأنا من شهادات لزميلات صحافيات يتهمن الصحافي هشام علام بوقائع تحرش واعتداء جنسي واستغلال صلاحياته صحافيّا ومدرّبا ومحاضرا في عدد من الجامعات والمؤسسات المصرية والإقليمية والدولية، بينها عمله مدربًا في نقابة الصحافيين المصرية".
وأضفن "يؤسفنا ويؤرقنا بشدة أن بيئة العمل الصحافي في مصر كانت ولا تزال بيئة غير آمنة للنساء، لا سيما أن المؤسسات الصحافية ونقابة الصحافيين ذاتها تفتقد وجود آليات لمناهضة التحرش والعنف الجنسي والتمييز ضد النساء، علاوة على ضعف تمثيلهن في مجلس إدارة النقابة ومجالس إدارات المؤسسات الصحافية بمختلف أنماط ملكيتها".
وقلن "الأمر الخطير والمقلق أيضًا بجانب السابق ذكره هو غياب آليات التحقيق والعقاب لدى نقابة الصحافيين، وهي الجهة المنوط بها التحقيق في المخالفات المهنية والسلوكية لأعضائها، إضافة إلى دورها في حماية الصحافيات من تلك الجرائم المسكوت عنها. كما أن قانون تنظيم الصحافة والإعلام، واللائحة الداخلية لنقابة الصحافيين لا يوجد بهما نص واضح يجرم الاعتداء الجنسي ويضع آليات لحماية النساء الصحافيات وتوفير بيئة آمنة وعادلة لهن".
لذلك طالبن بـ"فتح تحقيق عاجل داخل جميع المؤسسات الصحافية والجامعات التي عمل/ يعمل فيها المدعى عليه الصحافي هشام علام، بما فيها نقابة الصحافيين، في الوقائع التي نُسبت إليه من ضحايا حوادث اعتداء جنسي، واتخاذ إجراء عقابي يتم الإعلان عنه للرأي العام. وتشكيل لجنة مستقلة ومستدامة للمرأة داخل نقابة الصحافيين، تضم صحافيات عضوات في الجمعية العمومية للنقابة ومحاميات متخصصات في قضايا المرأة من خارج النقابة، للتحقيق في القضية المطروحة حالياً وأي وقائع مماثلة مستقبلاً، والعمل على تمثيل النساء وحمايتهن في المجال الصحافي، على أن يتم تحريك دعاوى قضائية في تلك الشكاوى والاتهامات".
كما طالبن نقابة الصحافيين بالتوقف فوراً عن تنظيم تدريبات يقوم بها المدعي عليه هشام علام، لحين التحقيق في وقائع الاعتداءات الجنسية المنسوبة إليه. وإقرار نقابة الصحافيين سياسة لمكافحة التحرش والعنف الجنسي بحق الصحافيات، سواء من عضوات النقابة أو العاملات في المجال من غير النقابيات، على أن تشمل آليات واضحة للتحقيق وفرض العقوبات، بما يضمن حماية الشاكيات وإخفاء وهوياتهن، وهو ما يستوجب أيضا تعديل قوانين تنظيم الصحافة والإعلام ولوائح تنظيم النقابة، لإلزام جميع المؤسسات الصحافية باتباعها.
وأعلن "نحن الموقعات أدناه نعلن تضامننا الكامل مع الناجيات/الضحايا، وندعو جميع الصحافيات ممن تعرضن لهذه الجرائم الوضيعة إلى نشر شهادات ضد الجناة وتقديم بلاغات إلى جهات التحقيق القضائية. لن نصمت بعد الآن. توافر بيئة عمل آمنة للصحافيات مطلب لن نتراجع عن تحقيقه".
وتأتي هذه الشهادة في ذروة فضح جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب في مصر، بعد أن فجرت قضية الطالب أحمد بسام زكي ــ المتهم بالتحرش والاعتداء الجنسي على العشرات ــ المسكوت عنه في هذا الملف الشائك، وتحولت الوقائع والشهادات إلى ما يشبه كرة ثلج تكبر معها دائرة فضح المتحرشين والمغتصبين والمسكوت عنه منذ سنوات.
والوسط الصحافي والإعلامي، هو جزء من المجتمع المصري، ويطاوله ما طاول أخيراً باقي الأوساط ومنها وقائع تحرش جنسي في الأوساط الحقوقية والثقافية وحتى الدينية، فانتشرت وقائع تحرش جنسي من مدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ومدعي ريادة الحركة الثقافية، ورجال دين من الكنيسة.
وبشكل عام، فإن التحرش الجنسي يطاول جميع المصريات على حد سؤاء، وهذا ما أظهرته دراسة أجرتها "هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة" التي بيّنت أن نحو 99 في المائة من النساء المصريات قد تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي.
ولا تكف التقارير المحلية والعالمية عن الإشارة إلى المعدلات المخيفة للقضايا المجتمعية في مصر، بل وتحتل مصر المركز الأول عالميا في ظاهرة التحرش الجنسي، بحسب دراسات وأبحاث عدة داخل مصر وخارجها. كما أن القاهرة صنفت عام 2017، كأخطر مدن العالم بالنسبة إلى النساء، وفق تقرير أعدته "تومسون رويترز".