حمص والغوطة والسويداء والتحوّلات الناقصة في الميدان السوري

18 ابريل 2014
في بابا عمرو الشهر الماضي (جوزف عيد، getty)
+ الخط -

من المرجح أن يشهد الشارع المعارض في سوريا، خلال الأيام القليلة المقبلة، موجة من التحسُّر في حال تحققت السيناريوهات حول احتمال انسحاب لقوى المعارضة المسلحة من معقلين أساسيين لها في ريف دمشق وحمص القديمة. ولن يمكن، بالطبع، اعتبار الحراك الشعبي ـ الديني في السويداء، مقدّمة لدخول المدينة الجنوبية على خط مناهضة النظام السوري، أو تعويضاً جديّاً عما يمكن أن يحصل في المدينتين الأخريين. ذلك أن حراك السويداء، لو كان بإمكانه أن ينفجر، لوقع ذلك قبل وقت طويل في المدينة التي "نأت بنفسها" طويلاً عن الثورة، لأسباب باتت معلومة.

وعلى الرغم مما تبدو عليه هذه المتغيّرات من أهمية، بما يدفع لاعتبارها تحوّلات قد تكون نوعيّة في المشهد السوري، تستمدّ طاقتها من تفاعل سوري ـ سوري محض، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن المتغيرات تلك تحمل، فعلاً، تحوّلاً نوعيّاً في مسار الصراع الدائر منذ ثلاث سنوات، شأنها في ذلك شأن المعارك "الاستراتيجيّة"، أو التي صوّرت كذلك من قبل إعلام النظام وحلفائه الإقليميين، في القصير ويبرود وغيرهما.

فعلى الرغم من أن ديناميّة الصراع السوري ـ السوري، تستمد وجودها أوّلاً من صراع داخلي يعجز طرفاه عن تحقيق نصر حاسم فيه، إلّا أن هذا العجز، وكما بات واضحاً، يعكس "إرادة" دولية، تصدر بدورها عن صراعات إقليمية ودولية على الثروة والنفوذ.

التحوّلات الناقصة

الموجة المحتملة من التشاؤم، تتعلق بإمكانية توقيع "اتفاق" بين فصائل المعارضة المسلحة، والمحاصرة في مدينة حمص القديمة منذ عام، من جهة، والنظام السوري من جهة ثانية، يقضي بانسحابها إلى ريف المحافظة الشمالي، الأمر الذي قد يشكل، رمزيّاً على الأقل، نكسة للثورة، باعتبار أن حمص، التي باتت 70 في المئة من أبنيتها أنقاضاً، هي "عاصمة الثورة".

بدأ الحديث عن "الاتفاق" منذ أكثر من شهر، وبشكل أدق، راج الحديث بداية عن احتمال توقيع هدنة بين الطرفين، بعد الاتفاق الذي أنجز بينهما برعاية مكاتب الأمم المتحدة في حمص، والذي قضى بإخراج عدد كبير من المدنيين (نحو 1400) من المنطقة المحاصرة، في فبراير/شباط الماضي.

بموازاة "اتفاق الانسحاب" من حمص القديمة، تدور، منذ أسابيع، أحاديث عن احتمال انسحاب فصائل المعارضة المسلحة من محافظة ريف دمشق، وتحديداً من البلدات والضواحي الجنوبيّة، نحو محافظة درعا، في إطار اتفاق مشابه. يجري ذلك في أعقاب إحكام النظام السيطرة شبه الكاملة على منطقة القلمون، في ريف دمشق الشمالي، وعلى خلفية المعارك العنيفة التي يخوضها طرفا الصراع في بلدة المليحة بريف العاصمة، وحي جوبر الدمشقي، في ما يمكن اعتباره "عصا غليظة" يصوّبها النظام تجاه معارضي الانسحاب.

قد تكون هذه الاحتمالات، التي لم تترجم حتى اليوم على الأرض، هي التي دفعت بالرئيس بشار الأسد، إلى الحديث، يوم الأحد، عن "انعطافة في الأزمة التي تعيشها سوريا، من الناحية العسكرية"، في ظل ما سماه "الإنجازات المتواصلة التي يحققها الجيش والقوات المسلحة في الحرب ضد الإرهاب". الأسد متفائل، ولكن ما الذي يمكن فعلاً أن يقوله رئيس يستعد لـ"الانتصار" في انتخابات رئاسيّة ستجري بعد أشهر قليلة، لأنصاره ومواليه ومحازبيه؟

صحيح أن انسحاب كتائب المعارضة من حمص القديمة وغوطة دمشق، إذا حصل،

سيترجم تراجعاً عسكرياً للقوى العسكرية المعارضة، غير أنّ هذا لا يمكن أن يشكل تحوّلاً جوهريّاً في سياق الصراع الدائر منذ ثلاث سنوات.

يمكن تفسير الأمر بما باتت تردده العديد من مراكز الدراسات والأبحاث الغربيّة، فضلاً عن مسؤولين دوليين وأمميين، حول أن الصراع في سوريا سيدوم لأكثر من عقد.

يعرف السوريون، الذين يدفعون الضريبة الباهظة للصراع، هذا الأمر. مشاهد الخراب والدمار، فضلاً عن الانقسام الحاد بين "سوريا الثورة" و"سوريا النظام"، تنفي حاجة السوريين إلى مراكز أبحاث أو مسؤولين غربيين، ليعرفوا كم سيطول الصراع في بلدهم. غير أن الاستشهاد بما يقوله "الغرب" لا يخدم إلا غاية واحدة، في هذا السياق، وهي استشفاف "النيّات" السياسيّة للعالم، تجاه الوضع في سوريا.

بكلمة أخرى، لم يعد الصراع في سوريا، منذ أجل ليس بالقصير، صراعاً داخليّاً محضاً، وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد أن أيّة تحوّلات قد تشهدها الساحة السوريّة، والخاصة بالفاعِلين الرئيسيين الداخليين (أي النظام والمعارضة)، لن تحدد، في نهاية المطاف، خاسراً ورابحاً.

لم يعد القرار، منذ وقت طويل، بيد السوريين، والتحوّلات التي تجري بـ "إرادة" هؤلاء على الأرض، لا تعني شيئاً لقوى إقليمية ودوليّة، إذ باتت الساحة السوريّة ملعباً لها، للرد على الخصوم والأعداء في مناطق وأقاليم أخرى، أو للحوار معهم.

وفي المحصلة، لن يمكن انسحاب المعارضة المسلحة من حمص القديمة، ولا تخليها عن مواقعها في ريف دمشق الجنوبي، أن تشكّل تحوّلات جذرية في مجرى الصراع السوري.

ثمّة ما يمكن اعتباره عملية إعادة انتشار لقوى الطرفين، تمكّنها من تحقيق سيطرة شبه تامّة في مناطق تواجدها، وهي سيطرة مؤقتة، ولكنها مرشحة للتحوّل إلى "وضع دائم"، في كل مرّة ترتفع فيها حظوظ التقسيم: النظام يسيطر بصورة تامة على دمشق وريفها، وعلى حمص والساحل، في مواجهة قوى المعارضة المسلحة التي تسيطر، وتنتصر الآن، في حلب وحماه وإدلب، ودرعا والجزيرة.

غير أن سيناريو التقسيم، هو الآخر، سيكون بيد المجتمع الدولي بصورة تامة، وليس بيد السوريين وحدهم، نظاماً ومعارضةً.