ويمتلك حمدوك سجلاً مهنياً حافلاً، أهّله ليكون مرشح "قوى إعلان الحرية والتغيير" لرئاسة الوزراء. وللمفارقة، فإنّه وقبل بضعة أشهر اعتذر عن تولّي منصب وزير المالية في آخر حكومة شكّلها الرئيس المعزول عمر البشير. نجح حمدوك ابن مدينة الدبيبات في ولاية جنوب كردفان، بتحقيق صيت مهم في الدوائر الاقتصادية إقليمياً ودولياً، ما أهّله ليحوز في مسيرته على حقيبة الأمين العام للجنة الاقتصادية لأفريقيا، التابعة للأمم المتحدة.
منذ نيله درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة مانشستر البريطانية، نشط حمدوك في القارة الأفريقية بعيداً عن بلاده التي أوقفت سلطاتها منحته الدراسية خلال حقبة البشير، التي ساد فيها منطق تمكين العناصر المنتمية للحركة الموالية للرئيس المعزول على حساب المختلفين في الرأي والتوجّهات.
يشاع عن حمدوك انتماؤه للحزب الشيوعي السوداني، ويقول البعض إنّ توجهه للقضايا الاقتصادية والزراعية كان من مدخل معالجة الشيوعي لقضايا الفقر سياسياً، إضافة إلى نشاطه اليساري في "الجبهة الديمقراطية"، وهي تحالف طلابي بين الشيوعيين والطلاب الديمقراطيين في كلية الزراعة في جامعة الخرطوم التي تخرّج منها في العام 1985. لكنه تخلّى عن البطاقة الحزبية في العام 1991 جراء خلافات كبيرة ضربت الحزب الشيوعي، واختار التوجّه إلى المجالات العلمية والمهنية.
عمل حمدوك في وزارة المالية السودانية في الفترة من 1981 حتى العام 1987، لكن عمله في المناصب الحكومية، والذي ارتقى خلاله ليصبح كبير مسؤولي الوزارة، توقف بإرساله للدراسة خارج السودان، ثمّ انتهى بوقف ابتعاثه للخارج. وإثر هذه التوجهات الحكومية "العدائية" ضده، أكمل حمدوك دراسته في المملكة المتحدة بمنحة حصل عليها نتيجة تفوقه الأكاديمي، وحين أنجز رسالته مطلع التسعينيات، اختار العمل مع شركة بريطانية في زيمبابوي، قبل أن يتم اختياره مستشاراً في منظمة العمل الدولية في هراري، فبنك التنمية الأفريقي في أبيدجان، ليكون ذلك مدخله للجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة في أديس أبابا في العام 2011.
وعن اختيار حمدوك لرئاسة الحكومة، يرى المحلل السياسي محمد نورين، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ هذا الترشيح يقطع الطريق أمام سيناريوهات كان يمكن أن تؤدي لضرب استقرار "قوى إعلان الحرية والتغيير"، موضحاً أنه "لو تمّ استبعاد خيار حمدوك وقبول ترشيحات حزبية، لكان نشب صراع بين مكوّنات قوى الحرية والتغيير على تسمية مرشح يحظى بإجماعٍ بين تكتلاتها السياسية العديدة، وهو أمر غير محبذ حالياً". ويضيف نورين أن "خيار حمدوك يقطع الطريق أمام مخاوف الشارع من انحراف قوى الثورة عن ميثاق الحرية والتغيير القاضي بتعيين حكومة من الكفاءات غير الحزبية، وبالطبع لا تريد قوى الثورة أن تدخل في صراعات مع الشارع".