وباتت سيطرة قوات المعارضة السورية تقتصر عملياً على مدينة أعزاز، ومعبرها الحدودي، ونحو عشرين قرية تقع في محيطها، بالإضافة إلى بلدتي كلجبرين وكفركلبين، بعد انسحابها من باقي مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي، تحت ضغط القصف الروسي الجوي والصاروخي المستمر.
ولم تبدأ قوات "حماية الشعب" الكردية حتى الآن هجوماً جديداً على مواقع قوات المعارضة السورية في محيط المدينة. كما أن الطيران الروسي لم يطلق حملة قصف جوية مركزة عليها، بالرغم من قصف مدينة أعزاز بنحو خمس غارات جوية وقصف مستشفى الأطفال فيها بصاروخ يعتقد أنه من نوع كروز، أسفر عن مقتل عشرة من المراجعين والعاملين فيه، صباح يوم أمس الثلاثاء.
اقرأ أيضاً: قتلى بغارةٍ في الحسكة والوحدات الكردية تتجه لمدينة الشدادي
ومع استمرار إغلاق تركيا لمعبر باب السلامة الحدودي مع سورية، تستمر معاناة أكثر من خمسين ألف نازح يقيمون في ظروف كارثية، عرضة للعراء، أو في خيم جماعية لا تتوفر فيها أولويات الحاجات البشرية اللازمة لتأمين الحد الأدنى من النظافة والدفء والشروط الصحية.
وتحولت تجمعات نازحين على الجانب السوري من الحدود إلى عشرة مخيمات عشوائية، أضيفت إلى المخيم القديم الموجود قرب المعبر الحدودي، الذي كان يطلق عليه اسم "مخيم باب السلامة".
يقول الطبيب عبد الرزاق الياسين، الذي يعمل في أحد المشافي في منطقة أعزاز، لـ"العربي الجديد"، "تصلنا يومياً عشرات حالات التهاب الأمعاء والإسهال الشديد من النازحين المقيمين على الحدود، بسبب اضطرارهم لشرب المياه الملوثة، وهناك أمراض جرثومية انتشرت بينهم بسبب عدم تواجد أي شبكات صرف صحي، واضطرارهم لقضاء حاجتهم في العراء".
اقرأ أيضاً: تركيا تريد منطقة آمنة بعمق عشرة كيلومترات في سورية
وأضاف أن "الأطفال أيضاً يصابون بالجفاف وبنزلات البرد الحادة بنسب عالية. الجميع عملياً بدون مأوى، وهذا الأمر تسبب بكارثة على المستوى الصحي".
ويتزامن كل ذلك مع ارتفاع احتمالات تدخل تركيا لفرض منطقة آمنة في ريف حلب الشمالي. في هذا الصدد، قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، في تصريحات صحافية يوم أمس الثلاثاء، إن "تركيا لن تسمح بسقوط أعزاز".
بدوره، صرح نائب رئيس الوزراء التركي يالجين أقدوغان، اليوم الأربعاء، بأن "أنقرة تريد منطقة آمنة بعمق 10 كيلومترات داخل سورية على حدود تركيا الجنوبية تشمل مدينة أعزاز".
وأشار أقدوغان، في مقابلة مع قناة "خبر" التلفزيونية التركية، إلى أن "ما نريده هو إقامة شريط أمني يشمل أعزاز، وهذه المنطقة يجب أن تكون خالية من الاشتباكات".
في سياق متصل، أفادت وكالة "دوغان" التركية للأنباء بأن "الجيش التركي أرسل تعزيزات عسكرية لمناطق الحدود مع سورية". ونقلت مصادر صحافية تركية أنباءً تقول إن "القوات المسلحة التركية أرسلت 15 ألف جندي تركي إلى الحدود مع سورية لتعزيز الأمن وضبط الحدود، اليوم الأربعاء".
وعلم "العربي الجديد" من شهود عيان على الجانب السوري، أن التواجد العسكري للأتراك على الجانب التركي من الحدود، زاد بشكل كبير خلال اليومين الماضيين، الأمر الذي يشير إلى تحضير أنقرة لجيشها للتدخل في حال قررت القوات الكردية الاقتراب أكثر من مدينة أعزاز ومعبرها الحدودي، والتي تسيطر عليها المعارضة السورية حالياً.
ويبدو أن هذا التدخل التركي سيتم تجنبه من قبل القوات الكردية، عبر عدم الاقتراب حالياً من المدينة، مع ظهور علامات الجدية بالتدخل العسكري بالنسبة للقوات التركية، التي تواصل الحشد في انتظار اقتراب الأولى.
وتطرح هذه الجدية التركية في التدخل في سورية، تحدياً كبيراً أمام قوات حماية الشعب الكردية وروسيا التي أمنت لها غطاءً جوياً في حربها على المعارضة السورية، وقد يشكل التصعيد المحتمل في أعزاز شرارة لتماس بين الطيران الروسي الذي يؤمّن الغطاء الجوي للقوات الكردية، وبين الجيش التركي الذي يبدو أنه عازم على الدفاع عن المدينة.
ويدفع ذلك إلى الاعتقاد بأن حساسية الموقف الحالي في ما يخص مدينة أعزاز، سيجبر الأطراف جميعاً على ضبط النفس، وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه، في انتظار تغيّر المعطيات السياسية لصالح أحد الأطراف بما يسمح لها بفرض نفوذها على المدينة الحدودية والمناطق المحيطة بها.
اقرأ أيضاً: العملية العسكرية في سورية والداخل التركي... عقبات وحماسة