"حماية الأطفال الأبرياء ضحايا العدوان" عنوان اليوم العالمي الذي تحييه الأمم المتحدة منذ عام 1983. لكن الأطفال لا يزالون بعد 35 عاماً من تلك المناسبة السنوية التي تصادف في 4 يونيو/حزيران يتعرضون لمختلف أشكال الاعتداءات الجسدية والمعنوية والعاطفية في أنحاء العالم. وإذا كانت الحروب هي العدوان الصارخ على حياة الأطفال، إلا أن حقوق الصغار الأساسية ليست مطبقة في غالبية الدول.
وتعتبر الأمم المتحدة أن الانتهاكات الستة الأكثر شيوعاً لحقوق الأطفال والاعتداءات الأقوى ضدهم هي: تجنيد الأطفال، واستخدامهم في الحرب والقتل، والعنف الجنسي، والاختطاف، والهجمات على المدارس والمستشفيات، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.
خلال السنوات الماضية تعرض ملايين الأطفال في دول الحروب والنزاعات للاعتداء المباشر وهم في منازلهم ومدارسهم وعلى الطرق. وأصابهم الجوع والنزوح والتهجير والأمية القسرية والمرض والإعاقة واليتم، ولا تلوح في الأفق بوادر عودة الأمان والحماية من الأذى. ونعرض بعض الأمثلة لواقع الأطفال في دول عدة للتأكيد على أن المجتمع الدولي التي أقر اتفاقية حقوق الطفل لم ينجح في تطبيقها، وإن خطة الأمم المتحدة للقضاء على العنف ضد الأطفال بحلول عام 2030 موضع شك.
ووفقا لمنظمة "يونيسف" يتعرض 250 مليون طفل للعنف في البلدان والمناطق المتضررة من الصراع على الرغم من توقيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل. في حين قدّرت منظمة "إنقاذ الطفولة" في فبراير/شباط الماضي عدد الأطفال في المناطق المتأثرة بالنزاعات بنحو 350 مليوناً، في حين أن نحو 165 مليوناً منهم موجودون في مناطق العنف والنزاع المباشر. ولفتت إلى أن طفلاً من كل ستة أطفال في العالم يعيشون في مناطق الصراع والحرب.
وتوضح الأمم المتحدة أن الهدف الرئيسي من هذا اليوم العالمي لحماية الأطفال من العدوان، هو الاعتراف بألم الأطفال ضحايا الاعتداء الجسدي والعقلي والعاطفي في جميع أنحاء العالم، وتأكيد الالتزام بحماية حقوقهم.
الأطفال ضحايا العدوان
التأمت في 19 أغسطس/آب عام 1982 جلسة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية. أعربت خلالها عن "الفزع إزاء العدد الكبير من الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين ضحايا أعمال إسرائيل العدائية". كما قرّرت في الجلسة ذاتها جعل الرابع من يونيو من كلّ سنة يوماً دولياَ للأطفال الأبرياء ضحايا العدوان.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك خافيير بيريز دي كويلار، في رسالة بالمناسبة عام 1983 "من الضروري التذكير في هذا اليوم المهيب بذلك الواجب المقدس المنصوص عليه في إعلان الأمم المتحدة لحقوق الطّفل، والمتعلّق بضمان تمتّع جميع الأطفال دون أي استثناء على الإطلاق بحماية خاصّة".
وبناء على ذلك، يمكن استعراض أحوال الأطفال في بعض الدول التي عاشت وتعيش حروباً دامية خلفت مآسيَ وأهوالاً كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، لتأكيد الهوة الواسعة بين واقع الطفولة وما يجب أن تكون عليه الأحوال.
أطفال فلسطين
العدوان الإسرائيلي الدائم على أطفال فلسطين قبل كبارهم، يسرق أحلامهم ومستقبلهم وحتى حياتهم. تكفي الإشارة إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 18 طفلاً فلسطينيا منذ مطلع العام الجاري في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتعتقل سلطات الاحتلال نحو 350 طفلاً في سجونها في ظروف تفتقر لأدنى معايير حقوق الطفل، وتعرضهم للتعذيب خلال الاعتقال والتحقيق، وتحرمهم من مقابلة أهاليهم ومن حقهم بمحامٍ. وتتمادى سلطات الاحتلال في إنزال عقوبة الحبس المنزلي بالأطفال التي تحيل حياة القصر والصغار إلى جحيم.
أما حصار غزة وحرمان الأطفال فيها من إمدادات الغذاء والدواء ومن الكهرباء والمياه ليس سوى قهر متعمد يضع العقبات أمام عيش حياة آمنة وفق شروط طبيعية.
حسب تقديرات "يونيسف" قتل 910 أطفال سوريين على الأقل خلال عام 2017، في ارتفاع ملحوظ عن عدد الأطفال الضحايا عام 2016، والذي بلغ 652. وأشارت إلى تجنيد 691 طفلاً على الأقل، مشيرة إلى أن زيادة عددهم ثلاثة أضعاف عمّا كان عليه عام 2015، ولافتة إلى أن الأطفال يشكلون ربع القتلى من المدنيين.
وأوضحت في تقريرها عن العام الماضي، أن أكثر من 1.7 مليون طفل محرومون من المدارس، و1.3 مليون آخرين معرضون لخطر التسرّب المدرسي، ونحو 5.3 ملايين طفل سوري بحاجة إلى المساعدة، و2.8 مليون منهم نازحون داخليًا، و2.6 مليون لاجئون. وأكدت أن 3.3 ملايين طفل سوري مُعرّضون يومياً لخطر انفجار الألغام والذخائر غير المُنفجرة.
قدرت "يونيسف" في تقرير عام 2017 أن أكثر من ألف طفل قتلوا في العراق، وأصيب أكثر من 1100 منذ 2014 عندما سيطر تنظيم "داعش" على مساحات واسعة من العراق، كما انفصل أكثر من 4650 طفلا عن أسرهم. ومن بين نحو عشرين مليون طفل في العراق، يحتاج أكثر من خمسة ملايين طفل إلى مساعدات إنسانية.
وتجدر الإشارة إلى أن ممثل "يونيسف" في العراق، بيتر هوكينز، وصف الواقع في العراق قبل الحرب على "داعش" وأحوال الأطفال تحديداً بالقول: "الأطفال يشهدون رعبا شديدا وعنفاً لا يمكن تخيله. قتلوا وجرحوا واختطفوا وأجبروا على إطلاق النار والقتل في واحدة من أكثر الحروب الوحشية في التاريخ الحديث".
وذكرت تقارير أن عدد الأيتام في بغداد وضواحيها بلغ 500 ألف و385 يتيما عام 2017، تتراوح أعمارهم بين شهر واحد و16 عاما،ً من المسجلين ضمن دائرة العمل والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.
أطفال اليمن
نحو 500 ألف طفل قتلوا وأصيبوا في اليمن منذ عام 2015، أغلبهم كانوا ضحايا القصف المباشر على منازلهم ومدارسهم ومخيمات اللجوء التي هربوا للاحتماء فيها.
وأشارت المنظمة في مارس/آذار الماضي إلى أن مليوني طفل يمني أصبحوا خارج المدرسة منذ اندلاع الحرب وإن نصف مليون منهم تسربوا من المدرسة منذ تدخل التحالف بقيادة السعودية في النزاع عام 2015. وإن 2419 طفلاً على الأقل تم تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة منذ العام نفسه.
وأكدت إصابة 1.8 مليون طفل بسوء التغذية الحاد، حالة 400 ألف منهم في خطر يهدد حياتهم، وإن العدد تضاعف من 200 ألف في 2015.
وأشارت إلى تفشي مرض الكوليرا والإسهال المائي الحاد ليصيب أكثر من مليون شخص، وإن الأطفال دون سن 15 عاماً يشكلون أكثر من 40 في المائة من الحالات المشتبه فيها وربع الوفيات.
يحتاج نحو 16.4 مليون شخص في اليمن لخدمات الرعاية الصحية بصورة ماسة، وفق تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي. أشار إلى أن نحو 22.2 مليون يمني (76 في المائة من السكان) في حاجة إلى المساعدة، ويعاني 8.4 ملايين شخص من الجوع، في مقابل 6.8 ملايين في عام 2017.
أطفال أفريقيا
أظهرت إحصاءات صادرة عن برلمان جنوب أفريقيا لمناسبة اليوم العالمي لحماية الأطفال ضحايا العدوان، أن 41 في المائة على الأقل من جميع حالات الاغتصاب التي تم الإبلاغ عنها خلال السنوات الثلاث الماضية كان الأطفال ضحاياها. وأشار إلى مقتل أكثر من 2600 طفل، وإن عشرات الآلاف من الأطفال جرى التخلي عنهم (اثنان من أصل ثلاثة منهم قيل إنهم لقوا حتفهم).
وكشفت منظمة "وورد فيجن" عن تحقيق دام 20 عامًا في جنوب أفريقيا بيّن أن 99 في المائة من الأطفال الذين طاولتهم الدراسة عايشوا أعمال عنف أو كانوا ضحية للعنف.
وأكدت "يونيسف" أن قرابة مليون طفل نزحوا عام 2017 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مع تعرض أكثر من 400 مدرسة للهجوم المتعمد.
وفي نيجيريا والكاميرون، استخدمت جماعة "بوكو حرام" المتطرفة نحوا 135 طفلاً كمفجرين انتحاريين، وكانت نسبتهم أكثر من خمسة أضعاف العدد الذي كانوا عليه قبل عام. في جنوب السودان تم تجنيد 19 ألف طفل قسراً منذ عام 2013، استناداً لأرقام "يونيسف" عام 2017.
ما استعرضناه ليس سوى نماذج لأطفال يتأثرون بالاعتداء والانتهاك في يومياتهم، مثل أطفال الروهينغا الذين تعرضوا وعائلاتهم إلى حملات تطهير عرقي دفعت من نجا بحياته منهم للهرب نحو بنغلاديش، والعيش في مخيمات اللجوء في ظروف صعبة جداً.