فقد طلبت السلطة من أعضاء "القيادة القومية" تقديم استقالاتهم الجماعية، خلال المؤتمر القومي الـ14، والذي انعقد الأحد الماضي في دمشق، بعد انقطاع دام 37 عاماً.
وحسب وسائل إعلام قريبة من النظام، فإن "القيادة القومية" حُلّت، بسبب "غيابها وضعف دورها خلال الأحداث التي شهدتها سورية في السنوات الست الأخيرة"، بالإضافة إلى أسباب تنظيمية، عقب فقد القيادة أكثر من ثلثي أعضائها، فضلا عن المدة الزمنية الكبيرة التي لم ينعقد فيها اجتماع بهذا المستوى منذ عام 1980".
والواقع، فإن قرار الحل لم يكن وليد الساعة، بل كانت إرهاصاته بدأت منذ سنوات طويلة، دون أن يقتصر الأمر على القيادة القومية وحدها، بل مجمل الهياكل التنظيمية والسياسية التي شكلت لعقود المنظومة الشكلية لحكم "حزب البعث"، في ستينيات القرن الماضي، ولحكم عائلة الأسد في العقود التالية.
وإذا كانت المنظومة الأمنية العسكرية الطائفية ظلت هي الأساس لحكم عائلة الأسد، فإن الهياكل الحزبية والنقابية، المدعومة من السلطة بالمال والغطاء السياسي، لعبت دورا هاما، على مدار عقود، في تحشيد الدعم واستجلاب التأييد للنظام من القواعد الشعبية، باتباع أساليب الترغيب والترهيب، من خلال "متابعتها" للفرد السوري في جميع مراحل حياته، حيث تتلقفه منظمة "طلائع البعث" منذ نعومة أظفاره، لتسلّمه بعد ذلك إلى منظمة "الشبيبة"، ومن ثم "اتحاد الطلبة"، ثم تتوزع تلك المنظمات لتغطي مجمل أوجه الحياة عبر هياكل مشابهة، مثل اتحادات ونقابات الفلاحين والعمال والحرفيين والأطباء والمهندسين والصحافيين.. إلخ.
وتحوز هذه الهياكل مقراتٍ مركزيةً في العاصمة وفرعيةً في المحافظات، ويتفرغ للعمل فيها عشرات ألوف الموظفين، وهي تستهلك تاليا مئات ملايين الدولارات سنويا، من دون أن تكون لها إنتاجية حقيقية على صعيد المجتمع، وتكاد تنحصر وظيفتها في "تأطير" هذا المجتمع ومراقبته وتوجيه أنشطته لصالح النظام.
ولكن بما أن الدافع النفعي- الترهيبي هو الأساس الذي تنهض عليه هذه الهياكل، فإن فاعليتها ظلت محدودة، ولم تجلب كأعضاء فاعلين، إلا الوصوليين والانتهازيين الذين يتدرعون بحماية السلطة ويضربون بسيفها، بينما انصرف عنها غالبا أصحاب الكفاءات الذين شقّوا طريقهم بعيدا عنها، بسبب ما يتطلبه الانتساب إليها من علاقات تبعية واستزلام، وأجواء فساد وانحطاط، بما في ذلك الاختلاسات وكتابة التقارير الأمنية في زملاء العمل.
ومن هنا، فإن حل القيادة القومية يأتي في سياق "إكرام الميت دفنه"، ومعبرا عن نهاية مرحلة ساد فيها "الخطاب القومجي" على الصعيد الخارجي و"الخطاب التعبوي" على الصعيد الداخلي، باتجاه التأقلم العملي والإجباري مع واقع جديد صلب أوجدته ست سنوات من الصراع المسلح مع المعارضة، لا يحتمل سياسيا، ولا ماليا، هذا الترف في التعامل مع هياكل قديمة، بينما أفرز الواقع المستجد هياكل جديدة خدمت النظام وأمدته بأسباب الصمود، مثل "اللجان الشعبية" و"الدفاع الوطني" ومجمل التنظيمات العسكرية التي تشكلت في ظل الحرب، وتقاتل مع قوات النظام، وأحيانا بدل تلك القوات في أنحاء البلاد.
وكانت "القيادة القُطرية" تسلّمت مكاتب وممتلكات تابعة لـ"القيادة القومية" في العام 2016، فيما جرى قبل أسابيع قليلة حل "الاتحاد النسائي العام"، في خطوة يعتقد أنه سوف تتبعها خطوات مشابهة تطاول كل أو معظم الهياكل المشابهة.
ويعكس تشكيل "مجلس قومي" يحمل صفة استشارية، بدلاً عن "القيادة القومية"، الطابع الاقتصادي لهذه الخطوة، لناحية توفير نفقات كبيرة داخل سورية وخارجها، فضلا عن طابعها السياسي الإيديولوجي، لجهة إزاحة أعباء ثقيلة عن أكتاف النظام المتعبة، والذي بات يبحث فقط عما يفيد قضية بقائه وحرب الوجود التي يخوضها، ساعيا إلى التخلص من كل تلك التركة التي ورثها عن الحقبة الماضية التي كانت الشعارات والخطابات الحماسية أحد أبرز سماتها.