ضريح "مولاي عبد السلام بني مشيش" في جبل العلم بقبيلة بني عروس، حيث دفن شيخ الصوفية العلّامة في شمال المغرب، يضج بالزوار في موسمه السنوي الذي يصادف في شهر يوليو/ تموز.
شكلّت المواسم الدينية في المغرب ظاهرة اجتماعية خضعت لدراسات أنثربولوجية استعمارية سابقاً ساهمت في احتلال البلاد. يومها، درس الباحثون الأنثربولوجيون الأوروبيون علاقة الزوايا الصوفية والأضرحة بتمكين النظام الحاكم من السيطرة.
ينفتح الجانب الاجتماعي على الاقتصادي، وهو جانب ظلّ حاضراً بقوة خلال المواسم الدينية المنتشرة في المغرب، إذ إنّ معظم الأضرحة تقع في مناطق معزولة ووعرة وغالباً فوق قمم الجبال التي كان يتخذها الأولياء المتصوفون خلوة للتعبد، أشهرها موسم "مولاي عبد السلام بن مشيش" الذي أعطى تعاليمه الصوفية لمريده أبي الحسن الشاذلي الذي انتقل بها إلى تونس ومصر ومن هناك شاعت في العالم.
في الأول من يوليو/ تموز من كلّ عام تنظم نقابة "الشرفاء العلميين" موسماً دينياً يحتفي بذكرى مؤسس المدرسة المشيشية الشاذلية الوليّ عبد السلام بن مشيش. ويحجّ إليه الناس من كلّ أنحاء المغرب، فهو يُقام على أساس "صلة الرحم". وتبرز فيه القبائل الصحراوية ترتدي زيّها التقليدي وتزور الضريح، كذلك أهالي الشمال الذين يتميزون بجلّابياتهم أو "المنديل والشاشية" زيّ النساء الشهير.
تأخذ الزيارة بعدين هما السياحة الروحية والتنزه. يأتي الناس لقراءة القرآن والذكر أو للتعرّف على طبيعة المكان، وشراء الحلوى الجبلية الشهيرة المصنوعة محلياً، وهي عبارة عن مكسرات متنوعة مع السكر المذاب. تشكل هذه الحلوى دخلاً رئيسياً لأغلب العائلات القاطنة بـ"مولاي عبد السلام". يصنعها أهالي المنطقة في بيوتهم بتقنيات بسيطة وتباع في مواسم الزيارات الرسمية مثل يوم الخامس عشر من شعبان، ووقفة عرفة، والمولد النبوي، والأول من يوليو، وتعرَض على طول الممر المؤدي إلى الضريح، ليتمكن الناس من شرائها بسهولة.
في ذكرى مؤسس المشيشية الشاذلية لهذا العام ركز المنظمون على دعم المنتجات المحلية من خلال تخصيص معرض لها أو تشجيع السكان على بيع منتجاتهم. يقول مدير اللجنة المنظمة، نبيل بركة لـ"العربي الجديد": "نشجع خلال الموسم على ترويج منتجات المنطقة لفكّ العزلة عن سكان القرى المجاورة. في الغالب، هي أماكن جبلية لا تصلح للزراعة ولا تتوفر فيها فرص عمل بديلة، لذلك، تبقى سبل العيش بسيطة، وإلّا الهجرة نحو المدن".
في الطريق نحو السوق، يقول الشابّ محمد الوهابي، بائع الحلوى الجبلية، لـ"العربي الجديد": "يعرف الأول من تموز حركة بيع وشراء للحلي وأغطية الشعر النسائية والمنديل والشاشية كرمز للمرأة الجبلية. ولا تستمر الحركة التجارية طوال العام بنفس المعدل، إذ تكبر أكثر خلال الصيف وتنكمش في الشتاء فلا يكون لنا من ملجأ - نحن الشباب - غير المقاهي".
يشير الوهابي إلى أنّ "نحو 500 شاب أعمارهم ما بين 20 و30 عاماً يعيشون في مدشر (قرية) مولاي عبد السلام، ولا تسمح الظروف لغالبيتهم باستكمال تعليمهم الجامعي". وحول بيع الحلوى يقول: "تظلّ كرمز للهدايا التي يقتنيها الزوّار لأهاليهم، فالمزار له دلالات بالمغرب وخارجه، وهناك عدة مواسم أبرزها الأول من تموز، و15 شعبان ويُسمّى النسخة، والسنة الفلاحية (تصادف في أكتوبر/ تشرين الأول) والمولد النبوي. متنفسنا الاقتصادي الوحيد هو الحلوى بالإضافة إلى بعض المنتجات الأخرى التي لا يمكننا أن نعوّل عليها، ولا زراعة في المنطقة، ومعظم الشباب يهاجرون في الشتاء بحثاً عن عمل".
عبد العزيز الوهابي يبيع هو الآخر الحلوى، ويقول إنّ "الحلوى المعدة باللوز والفستق والكاجو والبندق أو الحلوى الجبلية الأصلية المعدّة من النوجا واللوز هي صناعة بيتية يشرف على صنعها الرجال والنساء وتظلّ الهدية الأبرز التي يشتريها زوّار الضريح". لكنّ الوهابي يستدرك: "خفّ الطلب على هذه الحلوى مؤخراً، وربما يعود ذلك إلى انتشارها في مدن عدة ما يسهّل شراءها هناك". يتابع: "تباع الحلوى العادية المصنوعة من النوجا أو بذور الكتّان بـ25 درهماً (2 يورو)، أمّا المصنوعة من المكسرات فيصل الكيلوغرام الواحد إلى 100 درهم (10 يورو)".
عندما تنتهي المواسم في ضريح "مولاي عبد السلام" ينقل عبد العزيز الوهابّي حلواه إلى مواسم في مناطق مجاورة مثل العرائش أو شفشاون: "هناك يكثر الطلب عليها، خصوصاً في موسم عاشوراء (الشهر الأول في السنة الهجرية محرم)".
اقــرأ أيضاً
شكلّت المواسم الدينية في المغرب ظاهرة اجتماعية خضعت لدراسات أنثربولوجية استعمارية سابقاً ساهمت في احتلال البلاد. يومها، درس الباحثون الأنثربولوجيون الأوروبيون علاقة الزوايا الصوفية والأضرحة بتمكين النظام الحاكم من السيطرة.
ينفتح الجانب الاجتماعي على الاقتصادي، وهو جانب ظلّ حاضراً بقوة خلال المواسم الدينية المنتشرة في المغرب، إذ إنّ معظم الأضرحة تقع في مناطق معزولة ووعرة وغالباً فوق قمم الجبال التي كان يتخذها الأولياء المتصوفون خلوة للتعبد، أشهرها موسم "مولاي عبد السلام بن مشيش" الذي أعطى تعاليمه الصوفية لمريده أبي الحسن الشاذلي الذي انتقل بها إلى تونس ومصر ومن هناك شاعت في العالم.
في الأول من يوليو/ تموز من كلّ عام تنظم نقابة "الشرفاء العلميين" موسماً دينياً يحتفي بذكرى مؤسس المدرسة المشيشية الشاذلية الوليّ عبد السلام بن مشيش. ويحجّ إليه الناس من كلّ أنحاء المغرب، فهو يُقام على أساس "صلة الرحم". وتبرز فيه القبائل الصحراوية ترتدي زيّها التقليدي وتزور الضريح، كذلك أهالي الشمال الذين يتميزون بجلّابياتهم أو "المنديل والشاشية" زيّ النساء الشهير.
تأخذ الزيارة بعدين هما السياحة الروحية والتنزه. يأتي الناس لقراءة القرآن والذكر أو للتعرّف على طبيعة المكان، وشراء الحلوى الجبلية الشهيرة المصنوعة محلياً، وهي عبارة عن مكسرات متنوعة مع السكر المذاب. تشكل هذه الحلوى دخلاً رئيسياً لأغلب العائلات القاطنة بـ"مولاي عبد السلام". يصنعها أهالي المنطقة في بيوتهم بتقنيات بسيطة وتباع في مواسم الزيارات الرسمية مثل يوم الخامس عشر من شعبان، ووقفة عرفة، والمولد النبوي، والأول من يوليو، وتعرَض على طول الممر المؤدي إلى الضريح، ليتمكن الناس من شرائها بسهولة.
في ذكرى مؤسس المشيشية الشاذلية لهذا العام ركز المنظمون على دعم المنتجات المحلية من خلال تخصيص معرض لها أو تشجيع السكان على بيع منتجاتهم. يقول مدير اللجنة المنظمة، نبيل بركة لـ"العربي الجديد": "نشجع خلال الموسم على ترويج منتجات المنطقة لفكّ العزلة عن سكان القرى المجاورة. في الغالب، هي أماكن جبلية لا تصلح للزراعة ولا تتوفر فيها فرص عمل بديلة، لذلك، تبقى سبل العيش بسيطة، وإلّا الهجرة نحو المدن".
في الطريق نحو السوق، يقول الشابّ محمد الوهابي، بائع الحلوى الجبلية، لـ"العربي الجديد": "يعرف الأول من تموز حركة بيع وشراء للحلي وأغطية الشعر النسائية والمنديل والشاشية كرمز للمرأة الجبلية. ولا تستمر الحركة التجارية طوال العام بنفس المعدل، إذ تكبر أكثر خلال الصيف وتنكمش في الشتاء فلا يكون لنا من ملجأ - نحن الشباب - غير المقاهي".
يشير الوهابي إلى أنّ "نحو 500 شاب أعمارهم ما بين 20 و30 عاماً يعيشون في مدشر (قرية) مولاي عبد السلام، ولا تسمح الظروف لغالبيتهم باستكمال تعليمهم الجامعي". وحول بيع الحلوى يقول: "تظلّ كرمز للهدايا التي يقتنيها الزوّار لأهاليهم، فالمزار له دلالات بالمغرب وخارجه، وهناك عدة مواسم أبرزها الأول من تموز، و15 شعبان ويُسمّى النسخة، والسنة الفلاحية (تصادف في أكتوبر/ تشرين الأول) والمولد النبوي. متنفسنا الاقتصادي الوحيد هو الحلوى بالإضافة إلى بعض المنتجات الأخرى التي لا يمكننا أن نعوّل عليها، ولا زراعة في المنطقة، ومعظم الشباب يهاجرون في الشتاء بحثاً عن عمل".
عبد العزيز الوهابي يبيع هو الآخر الحلوى، ويقول إنّ "الحلوى المعدة باللوز والفستق والكاجو والبندق أو الحلوى الجبلية الأصلية المعدّة من النوجا واللوز هي صناعة بيتية يشرف على صنعها الرجال والنساء وتظلّ الهدية الأبرز التي يشتريها زوّار الضريح". لكنّ الوهابي يستدرك: "خفّ الطلب على هذه الحلوى مؤخراً، وربما يعود ذلك إلى انتشارها في مدن عدة ما يسهّل شراءها هناك". يتابع: "تباع الحلوى العادية المصنوعة من النوجا أو بذور الكتّان بـ25 درهماً (2 يورو)، أمّا المصنوعة من المكسرات فيصل الكيلوغرام الواحد إلى 100 درهم (10 يورو)".
عندما تنتهي المواسم في ضريح "مولاي عبد السلام" ينقل عبد العزيز الوهابّي حلواه إلى مواسم في مناطق مجاورة مثل العرائش أو شفشاون: "هناك يكثر الطلب عليها، خصوصاً في موسم عاشوراء (الشهر الأول في السنة الهجرية محرم)".