حلف المهددين

27 يوليو 2015
+ الخط -
تسارع الدول المهددة إلى عقد تحالفات توحد قدراتها، وتضعها في مسار تكاملي، يرد عنها التحديات. وقد قام عرب ما بعد 1948 وقيام الكيان الصهيوني بشيء من هذا، وقرروا وضع قدراتهم العسكرية تحت قيادة مشتركة، أتبعوها بجامعة الدول العربية. لكن حروب إسرائيل ضدهم كشفت هشاشة إجرائهم وبرانيته، وأكدت فشله في حماية الدول العربية ومنع إسرائيل من احتلال أراضي أربع منها، ضمت بعضها إلى ما اغتصبته من فلسطين، من دون أن تبادر أية دولة إلى تطبيق ميثاق الدفاع المشترك الذي يلزمها بالدفاع عن العرب. 
واليوم، يواجه العرب خطران جسيمان: خارجي ندر أن واجهوا مثيلا لأبعاده ومراميه، يتمثل في خليط من دول إقليمية وكبرى، وداخلي ينشر في مجتمعاتهم فتنا مذهبية تدمر كياناتها وتقتل مواطنيها، يعلن ممثلوه عزمهم على إطاحة دولهم، وإحلال دول مذهبية محلها، تؤكد تجارب الأعوام الماضية عجز أي كيان عربي مواجهتها بمفرده، ليس فقط لأن تنظيماته تتخطى الدولة، وتستطيع شن حرب عابرة للوطنية ضد أي كيان قائم، بل كذلك لأنها ترفض التعايش مع أي وضع لا تصنعه بنفسها، ولا يسند شرعيته على من غيبتهم عن السلطة مؤامرةٌ حاكتها ضدهم تيارات السياسة المختلفة: من الليبرالية والوطنية إلى القومية والاشتراكية والشيوعية، أبعدتهم عما كانوا أحق به من أي تيار "دخيل" على الدين والأمة، هم أهل السنة والجماعة، الجهة الوحيدة التي تتفق فطرتها وصحيح الإسلام، وتمتلك مؤسسات تستمد سلطتها من إرادة متعالية لا يأتيها الباطل من الكفر ألا تطبق تعاليمها بحرفية نصها، أو أن تقبل الحوار أو الحلول الوسط والتسويات مع سواها أو في داخلها، أو تتعايش مع آراء ومواقف غير آرائها ومواقفها، ولا بد لها من الرضوخ لآمر وحيد، وإن كانت تجهل كل شيء عنه، وليست على تواصل معه، وكانت تحيط به حاشية مجهولة بدورها، تتنكر من جانبها لأي حق من حقوق البشر، بما في ذلك حقهم في أن يقرروا متى ينامون ويستيقظون، وما هو مسموح لهم وممنوع عليهم من أقوال وأفعال.
هذا الخطر الإرهابي الذي ينتشر في كل زاوية وركن، من زوايا وأركان بلداننا العربية، ولا يقبل المقارنة مع أي خطر إرهابي سبقه، وتأكدت خلال الفترة الماضية على ظهوره صعوبة أن تواجه أية دولة عربية بمفردها تنظيمات أضعف، وأقل انتشارا وتجذراً، من تنظيماته، يواجه اليوم باستهانة حالت دون المسارعة إلى إقامة حلف عربي/ إسلامي ضده، يرد عن الأمة ما أخذ ينزله بها من دمار، وينشره في بلدانها من فوضى تفجرها من الداخل، على الرغم من أنه بدأ معركته ضدها، وأعلن أن دولته ستبتلعها، وأنه قرر القضاء عليها.
ليس هناك ما هو أخطر على البشر من جهل ساستهم بالواقع أو تجاهلهم له. وليس هناك ما هو أشد خطورة على الدول من سياسات تعرج وراء الأحداث، بدل أن تستبقها، وساسة يظنون أن تجاهل المشكلات يحررهم منها، فيضع موقفهم هذا في يد الإرهاب السكين التي يقتلهم بها. ولو أخذنا سورية مثالاً، لوجدنا أن عجز حكامها عن فهم الواقع والعمل لحل مشكلاته استباقياً، لم يفض إلى تدميرها، دولة ومجتمعاً، وحسب، وإنما أكد أيضا إفلاسهم وحتمية سقوطهم!
لم يعد الإرهاب مجرد خطر سياسي. إن "داعش" تمثل خطرا وجوديا يطاول وجود الأمة، يعد بإعمال سكاكينه في أعناق المسلمين بصفتهم كفرة، ويعتبر ما بنوه من مؤسسات وتبنوه من قيم كونية وإنسانية كفراً عقوبته القتل، ويصر على أن الحرب الأهلية، المذهبية، وبالتالي الشاملة، وحدها وسيلة تغيير واقعنا القائم.
ماذا ننتظر كي نتحد، دولا وشعوباً، لمواجهة خطر يتجاوز السياسة، ليس الاستخفاف به غير خطأ قاتل تستحيل مواجهته من دون ميثاق دفاع مشترك عربي/ إسلامي من نوع جديد، يختلف عن ميثاق عام 1954، في نصه، وخصوصاً في تطبيقه، لكي يتمكن من مواجهة مخاطر "داعش" التي ليست مخاطر كلامية، أو يمكن مواجهتها بالكلام وحده؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.