بعد أيام قليلة من زيارة السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، إلى مدينة عدن جنوبي البلاد، وما رافقها من نشاط سعودي، دفعت الإمارات بحلفائها إلى تصدر المشهد من جديد، والرد على خطوات الشرعية، بتهديد أطلق من قبل قيادات مجموعات مسلحة بإسقاط الحكومة الشرعية، برئاسة أحمد عبيد بن دغر، بالإضافة إلى تقريب وجهات النظر بين حلفاء أبوظبي المنادين بالانفصال جنوباً مع حلفائها في المحافظات الشمالية، من المحسوبين على الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح.
واحتضنت عدن، أمس الأحد، اجتماعاً لقيادات ما يُعرف بـ"المقاومة الجنوبية". وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن الحضور شمل أغلب القيادات المحسوبة على ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" وبعض قيادات "الحراك الجنوبي" من حلفاء أبوظبي بشكل عام، وذلك تلبية للدعوة التي وجهها محافظ عدن السابق رئيس "المجلس الانتقالي"، عيدروس الزبيدي، فيما تغيبت عن الاجتماع قيادات "المقاومة" المحسوبة على تيارات أخرى، بما في ذلك، المؤيدة للحكومة الشرعية، والرئيس عبدربه منصور هادي. وبعد أيام قليلة من الحراك السياسي والحكومي الذي شهدته عدن، على خلفية الدعم المالي السعودي للحكومة الشرعية، وما تلاها من زيارة لوفد سعودي إلى المدينة، جاء اجتماع القيادات المحسوبة على الإمارات، ليوجه رسالة تصعيد إلى الحكومة الشرعية ويضعف من موقفها، كما لو أنه في أحد تفسيراته، تعبير عن عدم رضى من قبل أبوظبي عن تحركات الرياض ودعمها الشرعية. وتضمن البيان الختامي للاجتماع هجوماً حاداً على أداء الشرعية وتهديدات لها. وذكر أن "قوات المقاومة الجنوبية تعلن حالة الطوارئ في العاصمة عدن والبدء بإجراءات إسقاط الحكومة الشرعية واستبدالها بحكومة كفاءات وطنية".
وعلى عكس مرات سابقة، حاول بيان الاجتماع تحييد هادي كهدف لتهديدات هذه "المقاومة" وتصعيدها ضد الشرعية، إذ وصفه بـ"فخامة الرئيس"، ودعاه "للاستماع لصوت العقل واستباق خوضنا هذا المعترك مع حكومة الشرعية وتلافي الوضع من خلال إقالة حكومة، أحمد عبيد بن دغر، وإحالتها للمحاكمة جراء ما اقترفته من جرائم بحق شعبنا الجنوبي". كما أمهل البيان "فخامة الرئيس هادي أسبوعاً كاملاً، بعدها سنبدأ بإجراءاتنا" أي بإجراءات إسقاط الحكومة الشرعية في عدن. على أن الموقف الذي حيّد هادي من اعتباره هدفاً للتصعيد، لا يعبر عن اعتراف فعلي من هذه القيادات، التي تتمسك بمطلب الانفصال، به، بقدر أن الموقف ناتج عن مصلحة التحالف بالحفاظ على "الشرعية"، ممثلة بهادي، كغطاء لتدخله في اليمن.
إلى ذلك، يمثل الاجتماع بوصفه "عسكرياً" لقيادات قوات ومجموعات مسلحة تُعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، وحديثها عن إعلان "الطوارئ"، رسالة تصعيد، تحبط جهود الحكومة الشرعية والرسائل التي حاولت الرياض إيصالها، الأسبوع الماضي، بأن "عدن آمنة"، وأن الشرعية تمارس منها عملها بشكل طبيعي. لكن انعقاد اجتماع لتلك القيادات، التي حضر العديد منها بالزي العسكري، يعكس حالة من الفوضى، خصوصاً أن الحاضرين تمسكوا بوصفهم "قوات المقاومة الجنوبية"، وهي تسمية أطُلقت على المجموعات المسلحة والتابعة للشرعية التي شاركت في مواجهات ضد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائهم في العام 2015. وعودة التسمية من جديد إلى عدن تعني، فيما تعني، أنها تشكيلات مسلحة خارج إطار الدولة ومؤسساتها الرسمية.
وأياً كانت قدرة وجدية القيادات، التي اجتمعت في عدن، أمس الأحد، بتنفيذ التهديدات الرامية إلى "إسقاط الحكومة الشرعية"، إلا أن الاجتماع يُضعف من موقف الأخيرة في كل الأحوال، ويمثل تحدياً لوجودها، على الرغم من أنه قدم، بشكل عام، خطاباً متقدماً أقل حدة مما كان عليه الأمر خلال شهور سابقة، إذ طالب هادي بتغيير الحكومة وتعهد بدعم التحالف في معركته ضد الحوثيين في اليمن. وللمرة الأولى، قدم خطاباً أقل تطرفاً تجاه المواطنين المتحدرين من المحافظات الشمالية النازحين من الحوثيين. وقال "نعلن التزامنا التام باستقبال النازحين المدنيين من إخوتنا الشماليين وتقديم كافة الحماية والمساعدة الإنسانية لهم وفقاً لقوانين الأمم المتحدة، مع التأكيد على حق أجهزة الأمن في القيام بواجباتها الروتينية في حماية الأمن".
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بإحدى أبرز القضايا الشائكة التي كانت وراء الدعوة إلى اجتماع "المقاومة الجنوبية"، من قبل عيدروس الزبيدي، وتتمثل بالأنباء التي تتحدث عن وجود العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل والقائد الأبرز في القوات الموالية له قبل مقتله على أيدي الحوثيين في صنعاء خلال يناير/كانون الثاني الحالي، جاء موقف الاجتماع غير بعيد عن التوقعات، إذ أعلنت القيادات المجتمعة رفضها لـ"أي نشاط عسكري لأي قوات شمالية مسلحة على أرض الجنوب أو مسؤولين شماليين، سواء داخل الشرعية أو خارجها"، لكنها أبدت، مع ذلك، قبولاً ضمنياً بدعم القوات التي يدعمها التحالف. وأكدت "دعمها لأي قوات شمالية، بقيادة التحالف، لتحرير الشمال من الحوثيين"، لأن بقاء الحوثيين، حسب البيان، "يشكل خطراً على جنوبنا الحبيب وعلى أمن المنطقة والأمن القومي العربي". ومن خلال الموقف السابق، فإنه يبدو أن الإمارات نجحت بإقناع حلفائها بعدم معارضة وجود قيادات من المقربين من الرئيس الراحل، تحديداً طارق صالح، إذ إن تصعيد الاجتماع توجه نحو الشرعية. وعزز ذلك، خطاب عيدروس الزبيدي، إذ قال "نؤكد بشكل كامل دعمنا الكامل لقوات المقاومة الشعبية الشمالية التي تدعمها دول التحالف العربي"، في إشارة ضمنية للموالين لصالح والذين تتحدث أنباء عن دعمهم من قبل التحالف والإمارات على وجه التحديد، لترتيب قواتهم لمواجهة الحوثيين. ومع ذلك، اتخذ الزبيدي، موقفاً لافتاً، لا يتناسب مع "التهدئة" مع الشرعية، إذ أعلن الرفض الكامل لانعقاد مجلس النواب اليمني في عدن، في ظل أنباء عن تحضيرات تقوم بها الشرعية، لدعم انعقاد المجلس في عدن في فبراير/شباط المقبل.
الجدير بالذكر، أن التطورات التي شهدتها عدن الأحد، والتي مثلت رسالة تصعيدية ضد الشرعية، جاءت بعد حراك سعودي، الأسبوع الماضي، لدعم الحكومة في عدن، بدءاً من إعلان وديعة سعودية بمبلغ ملياري دولار في البنك المركزي اليمني، وصولاً إلى الزيارة النادرة التي قام بها وفد سعودي إلى عدن، برئاسة السفير السعودي لدى البلاد، محمد آل جابر. وبدت الزيارة والحضور السعودي الذي رافقها، على حساب أبوظبي، المتصدر الأول لنفوذ التحالف في جنوب اليمن، منذ أكثر من عامين.