حكومة نتنياهو تعلن الحرب على المنظمات الحقوقية

05 يونيو 2015
يخشى الاحتلال تداعيات اتساع المقاطعة (فرنس برس)
+ الخط -
زادت حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة من وتيرة الحرب التي تشنّها على المنظمات الأهلية والحقوقية الإسرائيلية التي تُعنى برصد انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها جيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية. وتدّعي حكومة نتنياهو وعدد من الفاعلين الصهاينة أن "حركة المقاطعة الدولية" (BDS) تعتمد على المعطيات التي تقدّمها المنظمات الحقوقية والأهلية الإسرائيلية التي تُعنى بمراقبة سجل حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

وبعد أن وسّعت من قاعدة التشريعات القانونية التي تقلّص من قدرة هذه المنظّمات على العمل، عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى شن حملة شاملة تهدف إلى تجفيف مصادر الدعم الداخلي والخارجي الذي تعتمد عليه هذه المنظمات، والمسّ بالحواضن الثقافية التي ترتبط بها.

وكان أول قرار تتخذه وزيرة الثقافة الجديدة الليكودية ميري ريغف، هو سحب رعاية الوزارة لمسرحية "الأرشيف" للمخرج أركادي زييدس، لأنّها اعتمدت على أفلام لمنظمة "بيتسيلم" التي توثّق وتراقب المسّ بحقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
وقد كشفت صحيفة "هارتس"، الثلاثاء الماضي، عن أنّ ريغف قرّرت وقف دعم ورعاية الوزارة لأي عمل فني أو نشاط ثقافي يعتمد على أنشطة المنظمات الحقوقية والأهلية التي تعنى بمراقبة سجل حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.

اقرأ أيضاً: المطالبة بمعاقبة إسرائيل بعد تحميلها أممياً مسؤولية جرائم غزة

اللافت أنّ ريغف تعمل ضد هذه المنظمات بناءً على توصيات المؤثرين اليمينيين المتطرفين. فقد أقرّ الناشط اليميني شماي جليك، الذي يعمل مخرجاً في قناة "20"، بأنّه يعمل بالتنسيق مع ريغف في رصد أي شكل من أشكال التعاون بين المسارح والمرافق الثقافية التي تحصل على دعم الحكومة وبين المنظمات الحقوقية التي اتّهمها بـ"تشويه صورة الدولة". ويذكر أن جليك هو شقيق يهودا جليك، مهندس عمليات الاقتحام الجماعي للمسجد الأقصى.

لكن الجماعات اليمينية المؤثرة لا تكتفي بالمطالبة بوقف التمويل فقط، بل باستهداف الحواضن الثقافية التي تدعم عمل المنظمات الحقوقية والأهلية التي تعنى بسجل حقوق الإنسان، لا سيما الجامعات. ففي مقال نشرته يوم الأربعاء صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية، قال الكاتب متان بيلغ "إن عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات الإسرئيلية يعتمدون على المعطيات التي تقدمها هذه المنظمات لتبرير دعواتهم  للعالم بفرض مقاطعة على إسرائيل".
وترفض بعض الجامعات الإسرائيلية استيعاب محاضرين يتعاونون مع المنظمات الحقوقية ويتبنون مواقف نقدية لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين. فقد كشفت صحيفة "معاريف" أخيراً، أنّ جامعة "بار إيلان"، ثاني أكبر جامعة في إسرائيل، والتي تقع في قبضة التيار الديني الصهيوني، ترفض تعيين محاضرين يتبنّون مواقف نقدية لسياسات الحكومة تجاه الفلسطينيين.

وقد تعرّض بعض الإعلاميين الإسرائيليين، الذين يعتمدون على معطيات المنظمات الحقوقية، إلى هجوم عنيف من قبل زملاء لهم. فقد انتقد الصحافي اليميني، بن دورون، الذي يعدّ تحقيقات في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن المقاطعة الدولية وآثارها، محرّر الشؤون الخارجية في قناة التلفزة الثانية الصحافي عراد نير، لمجرد أنه دافع عن حق المنظّمات الحقوقية في العمل بحرية.

اقرأ أيضاً: يهود يعادون الصهيونية بعد زيارة إسرائيل

لكن إسرائيل لا تكتفي بتجفيف البيئة الداخلية، بل تقوم بحملة دبلوماسية لتقويض الفضاء الخارجي الذي يساعد المنظمات الحقوقية على مواصلة العمل. فقد احتجت إسرائيل رسمياً لدى الحكومة السويسرية لإسهامها في تمويل معرض نظّمته، يوم الخميس الماضي، حركة "يكسرون الصمت" في مدينة "زيوريخ" السويسرية.
وتُعنى حركة "يكسرون الصمت" الإسرائيلية بتوثيق شهادات ضباط وجنود خدموا في الأراضي المحتلة، وتتناول مظاهر المس بحقوق الإنسان الفلسطيني.
كذلك نقلت صحيفة "هارتس"، في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي، عن مصدر في وزارة الخارجية الإسرائيلية، قوله "إن السفير الإسرائيلي في بيرن، يغال كاسبي، اتصل برئيس قسم الشرق الأوسط في الخارجية السويسرية وطلب منه أن تتوقف حكومته عن تمويل المنظمات الحقوقية الإسرائيلية". وبحسب المصدر، فإن كاسبي وصف المعرض بأنه "محاولة لتشويه صورة إسرائيل، ويسهم على نحو خطير في نزع الشرعية الدولية عنها". وجاء هذا الاحتجاج، بعد رفض سويسرا الطلب الإسرائيلي بعدم السماح بتنظيم المعرض.

ويتضمن المعرض، الذي تحاول إسرائيل إحباطه، عرض وثائق تتضمن اعترافات الضباط والجنود الذين شاركوا بشكل خاص في الحرب الأخيرة على غزة، والتي تحدثوا فيها بشكل واضح عن توجيهات وأوامر عسكرية بارتكاب جرائم ضد مدنيين فلسطينيين، وخصوصاً النساء وكبار السن.
وقد دافعت منظّمة "يكسرون الصمت" عن تنظيم المعرض، مشيرة إلى أنّ الهدف منه، إثارة جدل حقيقي حول "قيم الدولة"، إذ وصفت الحملة الحكومية الإسرائيلية ضدها بأنها "سلوك غير ديمقراطي، لن يسهم إلا في تشويه صورة المجتمع الإسرائيلي أمام العالم". وانتقدت المنظمة في البيان الذي أصدرته محاربتها "عوضاً عن إصغاء الوزراء والنواب للشهادات التي يدلي بها الضباط والجنود".

لكن هذا التسويغ لا يقنع الجماعات المؤثرة اليمينية التي تطالب بتوسيع الحملة الدبلوماسية لتجفيف الفضاء الخارجي لهذه المنظمات. وتقول الكاتبة اليمينية، لانا بكمان، إنه "يتوجب أن تتحول مهمة وقف الدعم الدولي للمنظمات التي تشوّه إسرائيل إلى هدف رئيسي للسياسة الخارجية الإسرائيلية". وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي، شدّدت بكمان عل وجوب إجراء نقاش شامل داخل الكنيست من أجل التوافق على استراتيجية شاملة لوقف تمويل هذه المنظمات. 

يذكر أن الكنيست الإسرائيلي سنّ في العام الماضي قانوناً يحظر الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل ويفرض غرامات مالية، في حال تبين أنه يترتب على هذه الدعوات ضرر اقتصادي. وقد أجازت المحكمة العليا هذا القانون ورفضت الاعتراضات التي قدّمتها المنظمات الحقوقية ضده.

اقرأ أيضاً: تهويد المنهاج التعليمي في القدس لاستدامة النكبة

المساهمون