بعد مخاض عسير، أعلنت في السودان ليل الخميس حكومة "الوفاق الوطني" برئاسة بكري حسن صالح، بمشاركة ما يزيد عن مائة من القوى والحركات التي شاركت في الحوار الوطني الذي أنهى أعماله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينها قوى معارضة، وإن كان معظمها أحزابا انشقت عن نظام الخرطوم الحالي وعارضته، بينها حزب "المؤتمر الشعبي" بزعامة علي الحاج، وحركة "الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين. وتضمّنت الحكومة الجديدة 76 وزيراً اتحادياً ووزير دولة، حاول خلالها النظام تقسيم "كعكة" السلطة على جميع من ساهم في الحوار، بمن فيها الشخصيات القومية التي شاركت في الحوار المجتمعي، والتي حاز بعضها على مقاعد في البرلمان، إلى جانب أحزاب الحوار.
لم تحمل الحكومة الجديدة أية مفاجآت كبيرة وإن جاءت بوجوه جديدة من الأحزاب المشاركة، فيما بعضها كان قد شارك في السلطة في فترات سابقة لثورة الإنقاذ. ومن أبرز الوجوه الجديدة المرشح الرئاسي السابق لـ"الحزب الاتحادي" حاتم السر، الذي شغل منصب وزير التجارة، فضلاً عن القيادي في حزب "الأمة" المعارض مبارك الفاضل، الذي خالف حزبه وشارك في الحوار وتقلّد منصب وزير الاستثمار. وسيطر حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم على معظم الحقائب الوزارية الرئيسية، على الرغم من تنازله عن ستة مناصب وزير اتحادي ومثلها كوزير دولة.
وأبقى "المؤتمر الوطني" على معظم وزرائه في الحكومة الجديدة، وإن عمد لتغيير طفيف في وزراء القطاع الاقتصادي، إذ غادر وزراء المالية والنفط والمعادن مواقعهم، بينما بقي الباقون في مناصبهم بمن فيهم نائب الرئيس السوداني حسبو عبد الرحمن ومساعد الرئيس إبراهيم محمود ووزير الخارجية إبراهيم غندور.
لكن المفاجأة الأبرز في التشكيل الوزاري جاءت بتعيين عسكري وزيراً للمالية، لا سيما أن الوزير الجديد محمد عثمان الركابي، الذي يحمل رتبة فريق في وزارة الدفاع، عمل مديراً للشؤون المالية للجيش منذ تسعينيات القرن الماضي. ورأى مراقبون أن تعيين عسكري وزيراً للمالية، تأكيد على تعزيز سلطة الجيش على البلاد والإمساك بكافة مقاليد الحكم بالنظر إلى أهمية وزارة المالية، وتأكيد على تمدد نفوذ رئيس الوزراء بكري حسن صالح، لا سيما أن الركابي يُعد من أقرب أصدقائه ومن الشخصيات التي يثق فيها.
وربط البعض التشكيل الوزاري ونجاح رئيس الوزراء في فرض الركابي وتأكيد تقدّمه كمرشح وحيد لخلافة البشير في الحكم في انتخابات 2020، بحزمة الإجراءات التي سبقت الإعلان الوزاري، والممثلة في توجّهات النظام في فك الارتباط بين الحركة الإسلامية والحكم، فضلاً عن حل الأمن الشعبي، الذراع الأمني للحركة الإسلامية، إلى جانب تذويب "الدفاع الشعبي" الذي يُعد بمثابة ذراع عسكري للحركة الإسلامية في الجيش السوداني، وإلحاق قوات الدعم السريع "الجنجويد" بالجيش السوداني أيضاً. ورأوا في تلك الخطوات تأكيداً لإغلاق ملف الحركة الاسلامية بشكل نهائي، لا سيما أن هذه الخطوة هي من ضمن متطلبات إقليمية ودولية لتحسين وضع السودان اقتصادياً والانفتاح عليه خارجياً. ووفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن المهندس الرئيسي لعمليات حل وفك ارتباط تلك الحاضنات من "دفاع شعبي" و"دعم سريع" وحركة إسلامية وأمن شعبي، كان بكري حسن صالح الذي أبدى حرصاً على تأكيد سيطرة الجيش على الحكم.
اقــرأ أيضاً
ورأى محللون أن ما تم بمثابة انقلاب أبيض في نظام الحكم بدأ منذ التعديل الوزاري الذي جرى في 2013 وأطاح بصقور النظام والحركة الإسلامية، بينهم النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه. ولفتوا إلى أن التشكيل الوزاري مضى في الاتجاه نفسه، وأوصد الباب تماماً أمام عودة أولئك الصقور للسلطة من جديد أو فرض من يرونه، أو التأثير على السلطة.
وقال المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، إن الحكومة لجهة تشكيلها لا تزال في يد النظام، بالنظر إلى سيطرته على الوزارات الأساسية كالدفاع والداخلية والخارجية والمالية إلى جانب وزارة رئاسة الجمهورية، معتبراً أن "المؤتمر الوطني" وعلى الرغم من تنازله عن حقائب وزارية، إلا أنه عمد لزيادة عدد وزراء الدولة، ما يجعل الوجود الفعلي لممثلي الأحزاب الأخرى لا يتجاوز الإطار الشكلي. لكنه توقع أن يكون هناك تأثير لبعض الشخصيات التي دفعت بها الأحزاب، لا سيما أن بعضها دفع بشخصيات مهمة، كمرشحي الرئاسة السابقين مبارك الفاضل وحاتم السر.
وأشار أبو الجوخ إلى أن مشاركة "المؤتمر الشعبي" بوزيرين للصناعة والتعاون الدولي ووزير دولة، بمثابة إعادة للحقائب الثلاث التي كان يتولاها من انحازوا لـ"الشعبي" أيام المفاصلة في تسعينيات القرن الماضي. واعتبر أن تعيين الركابي وزيراً للمالية مفاجأة التشكيل الوزاري، مرجحاً أن يكون تعيينه السبب الأساسي في تأخير إعلان الحكومة، إذ إنه قد لا يحظى بموافقة حزب "المؤتمر الوطني"، لافتاً إلى أن "تعيين الركابي يؤكد أن رئيس الوزراء قد فرضه على الحزب، ما يمثل مؤشراً لحجم سلطاته وتحضيراً للمشهد لانتقاله لمحطته المقبلة في رئاسة البلاد، فضلاً عن أن ذلك يدل على سيطرة رئيس الوزراء التنفيذية بوضع يده على مصادر الأموال بوجود شخصية تحوز على ثقته".
واعتبر المحلل السياسي أن العنوان الأبرز للحكومة الجديدة هو إضعاف "المؤتمر الوطني" ميكانيكياً بافتقاده للأغلبية، وتنفيذياً بإيلاء وزارة المالية لشخصية فُرضت على الحزب، مضيفاً: "لعل صورة الحزب اهتزت بصورة كبيرة بعد فشله في إقامة المؤتمر الصحافي الذي أعلن عنه لإعلان مرشحيه للحكومة كما اعتاد على ذلك في كل تعديل وزاري".
وفي الفترة الأخيرة عمد البشير لتهميش حزب "المؤتمر الوطني" والحركة الإسلامية معاً، إذ لجأ في مناسبات عدة لتوجيه اتهامات لاذعة لها، كما لم يدعُ الحركة لأي اجتماعات منذ مؤتمرها العام قبل سنوات على الرغم من أنه يتقلد رئاستها. ورأى المحلل السياسي ناصف صلاح، أن الحكومة الجديدة جاءت كانعكاس للحالة السياسية في البلاد، محاولة ترضية كل الأطراف المشاركة في الحوار ومكافآتها على حسن صنيعها من خلال اقتسام السلطة. وأشار إلى أنه كان من المفترض وفق مخرجات الحوار أن تُشكل حكومة صغيرة ذات مهام محددة، فضلاً عن برلمان بتمثيل نسبي للمهنيين والأحزاب والحركات لتنفيذ توصيات الحوار.
اقــرأ أيضاً
لم تحمل الحكومة الجديدة أية مفاجآت كبيرة وإن جاءت بوجوه جديدة من الأحزاب المشاركة، فيما بعضها كان قد شارك في السلطة في فترات سابقة لثورة الإنقاذ. ومن أبرز الوجوه الجديدة المرشح الرئاسي السابق لـ"الحزب الاتحادي" حاتم السر، الذي شغل منصب وزير التجارة، فضلاً عن القيادي في حزب "الأمة" المعارض مبارك الفاضل، الذي خالف حزبه وشارك في الحوار وتقلّد منصب وزير الاستثمار. وسيطر حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم على معظم الحقائب الوزارية الرئيسية، على الرغم من تنازله عن ستة مناصب وزير اتحادي ومثلها كوزير دولة.
لكن المفاجأة الأبرز في التشكيل الوزاري جاءت بتعيين عسكري وزيراً للمالية، لا سيما أن الوزير الجديد محمد عثمان الركابي، الذي يحمل رتبة فريق في وزارة الدفاع، عمل مديراً للشؤون المالية للجيش منذ تسعينيات القرن الماضي. ورأى مراقبون أن تعيين عسكري وزيراً للمالية، تأكيد على تعزيز سلطة الجيش على البلاد والإمساك بكافة مقاليد الحكم بالنظر إلى أهمية وزارة المالية، وتأكيد على تمدد نفوذ رئيس الوزراء بكري حسن صالح، لا سيما أن الركابي يُعد من أقرب أصدقائه ومن الشخصيات التي يثق فيها.
وربط البعض التشكيل الوزاري ونجاح رئيس الوزراء في فرض الركابي وتأكيد تقدّمه كمرشح وحيد لخلافة البشير في الحكم في انتخابات 2020، بحزمة الإجراءات التي سبقت الإعلان الوزاري، والممثلة في توجّهات النظام في فك الارتباط بين الحركة الإسلامية والحكم، فضلاً عن حل الأمن الشعبي، الذراع الأمني للحركة الإسلامية، إلى جانب تذويب "الدفاع الشعبي" الذي يُعد بمثابة ذراع عسكري للحركة الإسلامية في الجيش السوداني، وإلحاق قوات الدعم السريع "الجنجويد" بالجيش السوداني أيضاً. ورأوا في تلك الخطوات تأكيداً لإغلاق ملف الحركة الاسلامية بشكل نهائي، لا سيما أن هذه الخطوة هي من ضمن متطلبات إقليمية ودولية لتحسين وضع السودان اقتصادياً والانفتاح عليه خارجياً. ووفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن المهندس الرئيسي لعمليات حل وفك ارتباط تلك الحاضنات من "دفاع شعبي" و"دعم سريع" وحركة إسلامية وأمن شعبي، كان بكري حسن صالح الذي أبدى حرصاً على تأكيد سيطرة الجيش على الحكم.
ورأى محللون أن ما تم بمثابة انقلاب أبيض في نظام الحكم بدأ منذ التعديل الوزاري الذي جرى في 2013 وأطاح بصقور النظام والحركة الإسلامية، بينهم النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه. ولفتوا إلى أن التشكيل الوزاري مضى في الاتجاه نفسه، وأوصد الباب تماماً أمام عودة أولئك الصقور للسلطة من جديد أو فرض من يرونه، أو التأثير على السلطة.
وقال المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، إن الحكومة لجهة تشكيلها لا تزال في يد النظام، بالنظر إلى سيطرته على الوزارات الأساسية كالدفاع والداخلية والخارجية والمالية إلى جانب وزارة رئاسة الجمهورية، معتبراً أن "المؤتمر الوطني" وعلى الرغم من تنازله عن حقائب وزارية، إلا أنه عمد لزيادة عدد وزراء الدولة، ما يجعل الوجود الفعلي لممثلي الأحزاب الأخرى لا يتجاوز الإطار الشكلي. لكنه توقع أن يكون هناك تأثير لبعض الشخصيات التي دفعت بها الأحزاب، لا سيما أن بعضها دفع بشخصيات مهمة، كمرشحي الرئاسة السابقين مبارك الفاضل وحاتم السر.
واعتبر المحلل السياسي أن العنوان الأبرز للحكومة الجديدة هو إضعاف "المؤتمر الوطني" ميكانيكياً بافتقاده للأغلبية، وتنفيذياً بإيلاء وزارة المالية لشخصية فُرضت على الحزب، مضيفاً: "لعل صورة الحزب اهتزت بصورة كبيرة بعد فشله في إقامة المؤتمر الصحافي الذي أعلن عنه لإعلان مرشحيه للحكومة كما اعتاد على ذلك في كل تعديل وزاري".
وفي الفترة الأخيرة عمد البشير لتهميش حزب "المؤتمر الوطني" والحركة الإسلامية معاً، إذ لجأ في مناسبات عدة لتوجيه اتهامات لاذعة لها، كما لم يدعُ الحركة لأي اجتماعات منذ مؤتمرها العام قبل سنوات على الرغم من أنه يتقلد رئاستها. ورأى المحلل السياسي ناصف صلاح، أن الحكومة الجديدة جاءت كانعكاس للحالة السياسية في البلاد، محاولة ترضية كل الأطراف المشاركة في الحوار ومكافآتها على حسن صنيعها من خلال اقتسام السلطة. وأشار إلى أنه كان من المفترض وفق مخرجات الحوار أن تُشكل حكومة صغيرة ذات مهام محددة، فضلاً عن برلمان بتمثيل نسبي للمهنيين والأحزاب والحركات لتنفيذ توصيات الحوار.