وأصبح الصراع حول إدارة الحكم الشغل الشاغل للتونسيين في مختلف المنابر الإعلامية لكن كل طرف اختار التموقع في المكان الذي يحقق مصالحه الذاتية تحت غطاء المصلحة الوطنية.
ولقد كانت صحيفة "الصحافة اليوم" اليومية العمومية (الرسمية) من أكثر وسائل الإعلام التى رفعت شعار ضرورة إقالة حكومة الشاهد، إذ تعددت المقالات الداعية إلى ذلك. وقد فسّر البعض هذا الانحياز من قبل صحيفة "الصحافة اليوم" بقربها من دوائر قصر قرطاج ومن الحلقة الضيقة من المستشارين المقربين من الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وذهب البعض إلى حدّ اعتبار أن موقف الصحيفة ترجمة عملية لموقف الرئيس التونسي من رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي دخل في صراع معلن مع حافظ قايد السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس الحاكم (نظرياً) ونجل الرئيس التونسي الحالي.
رأي اعتبره البعض الآخر مبالغ فيه، إذ أن رئاسة الجمهورية ليس لها النفوذ على الصحيفة بل هو قرار اتخذه المشرفون على إدارة تحريرها، وعبّر عنه مدير الصحيفة ورئيس تحريرها الهاشمي نويرة في أكثر من افتتاحية.
أما قناة "نسمة تي في"، فكان لها موقف واضح ضد يوسف الشاهد وحكومته حيث سخرت برامجها السياسية للدعوة إلى إقالة الحكومة معددة حالات الفشل التي عرفتها الحكومة في العديد من المجالات. وهو اختيار يبدو أن لنبيل القروي، أحد مالكي القناة، الدور الأبرز فيه. إذ يعتبر نبيل القروي المحرك الأساسي للقناة وواحد من صانعي خطها التحريري، وقد بدا واضحاً اصطفافه في الجناح المعارض ليوسف الشاهد، لعدة اعتبارات، لعلّ أهمها أنه واحد من المؤسسين لحزب "نداء تونس" وواحد من المقربين للرئيس التونسي. حيث عملت القناة في الانتخابات الرئاسية سنة 2014 إلى تقديم كل الدعم للسبسي، في مقابل تصيد كل أخطاء منافسه حينها الرئيس السابق الدكتور محمد المنصف المرزوقي.
صحيفة "الشعب" الناطقة باسم الاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى المنظمات النقابية التونسية) اصطفت هي الأخرى في الجناح المعارض لبقاء يوسف الشاهد وحكومته في سدة الحكم. وقد عبرت عن رأي المنظمة وأمينها العام نورالدين الطبوبي الذي لم يفوّت فرصة إلا ودعا فيها إلى إقالة الحكومة بسبب فشلها في حلحلة الملفات الاجتماعية والاقتصادية، رغم أنه كان من الداعمين للشاهد منذ أشهر قليلة. لكن يبدو أن حبل الود الذي كان يربط بين الشاهد والاتحاد العام التونسي للشغل انقطع بسبب بعض المواقف التي اتخذها رئيس الحكومة والتي اعتبرها الاتحاد رجوعًا منه على وعود قطعها للاتحاد.
الجناح المساند للشاهد وحكومته في وسائل الإعلام يبقى محدودًا. وحتى إن وجد فهو ملتزم الصمت بسبب عدم الرغبة في الدخول في صراعات مع الأطراف المعارضة للشاهد، وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي له امتداد نقابي في كل المؤسسات الإعلامية التونسية.
وتشكل قناة "الزيتونة" الاستثناء في ذلك، باعتبارها قناةً مقربة من حزب "حركة النهضة" الذي يرفض إلى حدّ الآن إقالة الحكومة، معتبراً أن هذه الإقالة لا تخدم المصلحة الوطنية الآن، لكنه في المقابل مع تعديلات فيها.
بقية وسائل الإعلام وخاصة العمومية (الرسمية) منها ملتزمة مبدأ الحياد، اعتبارًا لطابعها القانوني الذي يحتم عليها الاستقلالية عن كل الأطراف السياسية. وحتى إن وجدت انحرافات فهي تبقى شخصية لا تعبر عن الخط التحريري لهذه المؤسسات. وهو نفس النهج الذي ارتأت بعض القنوات التلفزيونية والإذاعات الخاصة الالتزام بيه حتى تحافظ على مصداقيتها ومهنيتها.