ولم تنجح محاولات رئيس الحكومة المكلف، استقطاب الكتل النيابية الرافضة له واستجداء ثقتها وأصوات نوابها.
ولم يبق للجملي من أمل في تمرير حكومته، إلا عبر المشاورات الجانبية التي تجريها "النهضة" ورئيسها راشد الغنوشي، مع كتلة "قلب تونس"، من أجل تحصيل أغلبية المائة وتسعة أصوات المطلوبة (عدد مقاعد البرلمان217).
وحاول الجملي استمالة النواب من خلال كلمته التي ألقاها في مستهل الجلسة، مشدداً على أن التصويت لفائدة حكومته "مسؤولية أمام الله وأمام الشعب".
وأضاف الجملي أنّ "الحكومة تنتظر دعم النواب من أجل برنامجها وعملها، لا من أجل اللون السياسي، لذلك ستكون حكومة إنجاز يحكمها ميثاق شرف سياسي يحاسب وفقه الوزراء".
وأكد رئيس الحكومة المكلف أنّ الطاقم الوزاري "مستقل ومنفتح على الأحزاب والمجتمع المدني، تم اختيار أفراده وفق منهجية صادقة وموضوعية، وأنه لن يتردد في التغيير إذا ثبت أنه أخطأ في اختياراته".
ورداً على الانتقادات التي طاولته شخصياً، قال الجملي إنّه "منحدر من قطاع الفلاحة ومن أعماق الشعب، ما يجعلني عالماً بما يعانيه".
ولم يجد رئيس الحكومة المكلف مساندة داخل قاعة البرلمان، إلا من الحزب الذي كلّفه ومن ائتلاف "الكرامة" وبعض أبناء جهته القيروان.
وحتى مداخلات نواب "النهضة" الداعمة للجملي أكدت بدورها "الدعم عن اضطرار".
وأشار النائب عنها محمد القوماني، في مداخلته، إلى أنّ "احتدام الجدال حول الحكومة يجعل الموقف منها نسبياً"، مضيفا أن "الحبيب الجملي ليس أفضل رئيس حكومة يقود المرحلة المقبلة، لكن السياق الحالي يفرض التصويت لصالحه"، داعياً بقية الكتل إلى "تحكيم المنطق والمصلحة الوطنية وعدم المواصلة في تعطيل دواليب الدولة".
ومن جانبه، أفاد رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" سيف الدين مخلوف، لـ"العربي الجديد"، بأنّ كتلته ستصوت لصالح منح الثقة لحكومة الجملي.
وذكر مخلوف أنّ الاعتراضات السابقة كانت ضد وجود حزبي "قلب تونس" و"تحيا تونس" بوصفهما "لوبيات فساد"، على حد تعبيره، لكن بمغادرتهما للحكومة فإنه تنتفي أسباب التصويت ضدها، فيما أبدى نواب "ائتلاف الكرامة" استبشارهم بالأسماء الموجودة في حكومة الجملي، معتبرين أنّ "قوى استعمارية ولوبيات فساد تسعى لإحباط مرورها والزج بالبلاد في أزمة".
وقال النائب عن "الكتلة الديمقراطية" هيكل المكي، في مداخلته أثناء الجلسة، إنه "لا يمكن التصويت لحكومة نهضوية متخفية في عباءة المستقلين".
وأردف أنّ "هناك تحفظات عديدة، من بينها اقتراح قضاة على رأس وزارات لم تتم استشارة المجلس الأعلى للقضاء قبل تسميتهم، علاوة عن عدم احترام دماء الشهداء بتسمية القاضي سفيان السليطي على رأس وزارة الداخلية".
وانتقدت كتلة حزب "تحيا تونس" ما ورد بكلمة الجملي، معتبرة ذلك عاملاً إضافياً لرفضها.
ووصف القيادي بالحزب وليد جلاد، في حديث لـ"العربي الجديد"، خطاب الجملي، بأنّه "كان فاقداً للمعنى وعزز الضبابية والشعور بغموض هذه الحكومة وأهدافها، إذ لم يكشف موقفه من قضايا وطنية، ومن التعامل مع الأزمة الاقتصادية وتعبئة الموارد الاقتصادية، ما يجعل هذه الحكومة فاقدة للمضمون وغير جديرة بمنحها الثقة"، كما قال.
وسعت "النهضة" إلى عقد اتفاقات ومشاورات جانبية، بهدف تحصيل الأصوات المطلوبة لمرور الحكومة.
وأكدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، في هذا السياق، أنّ رئيس حزب "النهضة" راشد الغنوشي، كان قد قدم لنبيل القروي، رئيس حزب "قلب تونس"، خلال لقاء جمعهما بالتوازي مع الجلسة العامة، عرضاً سياسياً جديداً، احتوى ضمانات لـ"قلب تونس" بتمثيل عالٍ خلال التعديل الوزاري، مع إعفاء الأسماء التي يتحفظ عليها القروي.
وكشفت المصادر أنّ "هذا العرض لم يكن كافياً، لا سيما وأنّ الملفات القضائية لهذا الأخير لا تزال جارية أمام القضاء، وقد يتم استعمالها ضده إثر تصويته على الحكومة".
من جانبه، اقتصر القروي على وصف اللقاء بـ"الودي"، مشدداً، في تصريح صحافي عقب اجتماع بكتلته النيابية لإطلاعها على فحوى لقائه بالغنوشي، على أنّ الحزب اتخذ قراره خلال مجلسه الوطني، وهو رفض التصويت للحكومة والمرور إلى الحل الدستوري، أي التكليف الثاني من قبل رئيس الجمهورية.