حكومة الجزائر تتستّر على حجم القروض المحلية

20 أكتوبر 2016
عزوف المواطنين عن الاكتتاب في السندات (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت، أول من أمس، الأشهر الستة التي حددتها الحكومة الجزائرية للاكتتاب في أكبر عملية استدانة داخلية تعرفها البلاد، والتي جاءت تحت عنوان "القرض الوطني من أجل النمو الاقتصادي"، غير أن الأرقام الرسمية حول حجم ما جرى اقتراضه لا تزال غائبة.
ويثير مراقبون تساؤلات حول الحصيلة النهائية للعملية، بعدما كان آخر رقم كشفت عنه الحكومة هو 462 مليار دينار (4 مليارات دولار)، وذلك في يونيو/حزيران الماضي، وفق تصريحات رئيس الوزراء، عبد المالك سلال.

غير أن هذا الرقم سرعان ما تهاوى، بعدما نشرت وكالة الأنباء الرسمية، الشهر الماضي، رقماً آخر عن وزارة المالية يقل بكثير عما ذكره سلال، عندما كشفت أن الأموال المحصلة من بيع سندات الدين العام لم تتعد 317 مليار دينار (قرابة ثلاثة مليارات دولار)، في وقت تتوقع الحكومة جمع ما يُقارب 25 مليار دولار.
ويعتقد الخبير الاقتصادي عاشور حماني، أن الغموض الذي لفّت به الحكومة عملية الاستدانة هذه، مؤشرٌ قوي على حجم الفشل الذي ضرب خطة الحكومة غير المسبوقة في تاريخ الجزائر.

وقال حماني لـ"العربي الجديد": "في وقت رفعت الحكومة سقف طموحاتها إلى 25 مليار دولار، أي قرابة ثلث الأموال المتداولة في السوق الموازية والمقدرة بين 50 و60 مليار دولار، نجدها حصلت 3.5 مليارات دولار كأقصى تقدير، والأصعب من هذا، أن هذه الأموال جاءت من عند شركات حكومية، خاصة التي اشترت السندات، أي أن مصدر هذه الأموال هو رسمي وليس السوق الموازية".
في المقابل، رفض وزير المالية الجزائري السابق ومهندس العملية، عبد الرحمان بن خالفة، هذا الطرح عن الخطوة التي روج لها كثيراً وسوقها على أنها المخرج لامتصاص أموال السوق الموازية.

ودافع عبد الرحمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن خيار الحكومة قائلا: "القرض الوطني من أجل النمو الاقتصادي وإن لم يحقق كل أهدافه إلا أنه ناجح بالنظر إلى حجم الاكتتاب فيه".
وأضاف عبد الرحمان أن الهدف الأول كان امتصاص الأموال النائمة (غير المستثمَرة)، وتلك التي تغذي السوق الموازية لضخها في الاقتصاد الرسمي.
ورفض الوزير السابق، الذي ترك منصبه بعد ثلاثة أشهر من إطلاق عملية "الاستدانة الداخلية"، الإدلاء بتوقعاته حول الرقم النهائي للأموال المحصلة، ولا عن الوجهة الحقيقية لأموال القرض السندي، ربما تحت طائلة "واجب التحفظ" الذي يُلزم الوزراء في الجزائر بعدم الخوض في تفاصيل الملفات التي أشرفوا عليها لمدة 24 شهرا بعد تنحيتهم أو استقالتهم من مناصبهم الوزارية.

وظلت الوجهة الحقيقية للأموال المحصلة من وراء بيع سندات الدين الداخلي، من بين الأسئلة التي لا تجد إجابة طيلة مدة العملية، فقبل وأثناء الاستدانة كانت الحكومة تسوق لـ"القرض الوطني من أجل النمو الاقتصادي" على أنه "سيمول المشاريع الكبرى"، دون أن تكشف عن هذه المشاريع.
غير أن وزارة المالية كشفت، قبل شهر من نهاية المدة المحددة للاكتتاب، أن الأموال المحصلة حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، والتي لامست ثلاثة مليارات دولار، وُجهت لتغطية 18% من العجز المسجل في الخزينة العامة، ما يعني، حسب المراقبين، أن الحكومة اقترضت من أجل إنقاذ الخزينة وليس للاستثمار.

وتكون هذه الازدواجية في الخطاب الرسمي، حسب الخبير الاقتصادي ومستشار رئاسة الحكومة عبد الرحمان مبتول، أكبر قنبلة موقوتة هددت خطة الاستدانة.
وقال مبتول لـ"العربي الجديد"، إن التصريحات المتضاربة بشأن مصارف القرض أخلّت بأهم شرط نجاح أي عملية استدانة، وهي الشفافية والوضوح، "فالحكومة عندما تقترض من أي جهة خارجية مثل الدول والمؤسسات المالية، تتعامل بكثير من الوضوح حول شروط الاقتراض ووجهة الأموال، وعندما تتعامل مع المواطنين والمؤسسات الوطنية والمحلية تتعامل بالغموض وباستعلاء، وهو ما يقوّض فرص نجاح العملية".

ويرى الخبير الاقتصادي، أن الحكومة استعملت تمويل المشاريع الكبرى كواجهة لاستمالة المكتتبين، "فأي جهة مهما كانت لا يمكنها أن تُقرض أموالا لصرفها وليس لاستثمارها، لأن ضمانات التسديد تكون أقل".
ويتوقع مبتول أن تطلق الحكومة قروضا سندية جديدة، وأن تمدد فترة الاكتتاب في القرض السندي التاريخي لستة أشهر إضافية بعد إدخال بعض التعديلات.

وكانت الحكومة الجزائرية قد عدلت خطتها الافتراضية عدة مرات طيلة فترة الاقتراض الداخلي من أجل إنقاذ العملية، بعدما تواترت مؤشرات فشلها مع مرور الأيام.
وأطلقت الحكومة صيغتين من السندات بفوائد 5% لأجل ثلاث سنوات، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 7.5% لآجال خمس سنوات فيما أعلى.



المساهمون