أخيراً، ألقى شريكا الانقلاب في اليمن بورقتهم التي يصفها البعض بـ"الأخيرة"، والتي لطالما ترددوا، منذ أشهر، في إشهارها، ليطلقوا "رصاصة الرحمة" على جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، ويعبّروا صراحة عن يأسهم من الاتفاق الذي وقعوه مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ومن المبادرة الأممية التي رحبوا بها، كما أداروا الظهر لكل جهود السلام، ما لم يكن السلام المطلوب دولياً قائماً على توجه غير معلن مفاده تقسيم اليمن، أو في حال تحول الحكومة الانقلابية إلى ورقة مساومة في المفاوضات.
وسارعت الرئاسة اليمنية، أمس الثلاثاء، للإعلان أن الخطوة التي أقدم الانقلابيون عليها "تنهي كل جهود السلام التي حرص العالم معنا على بنائها، وتؤكد ضرورة تكاتف الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الانقلاب بجدية أكبر وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بشكل فاعل، وذلك عبر ترسيخ مؤسسات الدولة الشرعية وإنهاء كل مظاهر الانقلاب". ووجهت تحذيراً إلى الشخصيات المنضوية في حكومة الانقلابيين، معتبرة أن "كل من اشترك في الخطوات الانقلابية المختلفة، من الانضمام إلى ما يسمى لجان أو مجالس أو حكومة، شركاء فاعلون في العملية الانقلابية، وستتم متابعتهم قانونياً وعلى كافة الأصعدة، وضمن التعاون الإقليمي والدولي". وقالت إن "على كل المغرر بهم سرعة إعلان عدم تعاطيهم مع هذه الخطوات الانقلابية". ولاقت الخطوة رفضاً دولياً، حيث اعتبر سفير بريطانيا لدى اليمن، إدموند فيتون براون، أنها حكومة "غير شرعية". وقال: "بعد أسابيع من موافقتهم على المشاركة في خارطة الطريق، فإن الحوثيين وعلي عبدالله صالح يعلنون عن الحكومة غير الشرعية التي ستأخذ اليمن بعيداً عن السلام"، مضيفاً: "هذه الخطوة غير مقبولة، ويجب على الحوثيين وصالح التمسك بوعودهم وتجنب اتخاذ إجراءات من جانب واحد والانخراط مع الأمم المتحدة".
وتمثل الخطوة التي جاءت بالتزامن مع بدء المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، تحضيرات لجولة مشاورات يمنية جديدة، طلقة في صدر جهود السلام الدولية، والتي تلزم الأطراف بتجنب الخطوات أحادية الجانب، كما تنسف مسار "خارطة الطريق" الأممية، والتي كان الانقلابيون أعلنوا قبولهم بها كـ"أرضية للنقاش"، ورفضتها الحكومة الشرعية، غير أن الخطوة، بنظر العديد من المحللين الذين رصدت "العربي الجديد" آراءهم، قدمت خدمة كبيرة للشرعية، بحيث أعفتها من الضغوط الدولية التي كانت تطالبها بالموافقة على "خارطة الطريق"، وتشيد بمرونة طرفي الانقلاب، بعد موافقتهما على الخارطة، رغم الملاحظات.
من زاوية أخرى، تعكس الخطوة يأس الحوثيين وحلفائهم من نتائج اللقاءات الذي عقدها وفد الجماعة مع كيري، في العاصمة العُمانية مسقط، منذ أسبوعين، حيث كان ما عُرف بـ"إعلان مسقط"، ينص على استئناف المشاورات قبل نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، بما يؤدي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في العاصمة صنعاء، قبل نهاية العام 2016 (أي تتمخض عن المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة)، لكن الانقلابيين، وفي خطوة تصعيدية، أقدموا على الخطوة التي لطالما ترددوا فيها، وهي تشكيل حكومة.
واتفقت غالبية تعليقات المحللين والسياسيين، خصوصاً من معارضي الحوثيين، على أن الخطوة "يائسة" وتكاد تكون عديمة الجدوى، لأسباب، أولها أنها حكومة جرى تشكيلها من هيئات غير معترف بها دولياً، وبالتالي فإنها لن تنال أي اعتراف إقليمي أو دولي، باستثناء إيران والحكومات المتحالفة معها، والتي لن يغيّر اعترافها من الأمر شيئاً، في ظل الحصار المفروض على مناطق سيطرة الانقلابيين. ومن جانب آخر، تأتي الخطوة في ظل أزمة اقتصادية، حيث خزينة الدولة فارغة، وتعجز المؤسسات الحكومية عن دفع رواتب الموظفين أو التعامل مع المجتمع الدولي، فيما غالبية الوزارات الخدمية شبه معطلة بسبب الحرب، على غرار وزارات الكهرباء، المياه، السياحة، النقل، التخطيط والتعاون الدولي، التجارة والصناعة، وصولاً إلى وزارة الدفاع التي تعرضت جميع مقراتها تقريباً، بالإضافة إلى القوات التابعة لها، للقصف الجوي. وينطبق الأمر على مختلف الوزارات التي تؤدي المهام بحدودها الدنيا. ومن زاوية سياسية، يعتبر إعلان الانقلابيين عن تشكيل حكومة في صنعاء، تطوراً من شأنه إذا ما استقر، أن يمثل خطوة نحو تقسيم اليمن، فعملياً أصبحت لدى اليمنيين حكومتان، الأولى شرعية تتخذ من عدن "عاصمة مؤقتة" لها، وتسيطر على المحافظات الجنوبية والشرقية بالإضافة إلى مأرب والجوف وسطاً وشمالاً وأجزاء من محافظات أخرى، في مقابل "حكومة الإنقاذ" الانقلابية في صنعاء، والتي تمثل تحالف الحوثيين وصالح المسيطر على العاصمة والعديد من المحافظات شمال وغرب وجنوب غرب البلاد.
وفي ظل المواقف الدولية والإقليمية الرافضة للخطوات الانقلابية، واعتبارها نسفاً لمسار السلام الذي ترعاه الأمم المتحدة وتدعمه الدول الكبرى، ستؤدي خطوة تشكيل الانقلابيين حكومة إلى تمدد الحرب والأزمة الحاصلة في البلاد، ما لم يكن هناك توجه غير معلن لأطراف إقليمية ودولية تشجع في الأروقة المغلقة مزيداً من الخطوات نحو تقسيم اليمن، وفي هذه الحالة، قد يتم التعامل مع واقع الحكومتين من دون اللجوء إلى نسف مسار السلام من أساسه، في وقت يعتبر فيه البعض أن التقسيم عملية "تحصيل حاصل"، لوضع فرضته الحرب، ومن جهة أخرى، يمكن أن يسعى الانقلابيون إلى استخدام الحكومة كورقة في المفاوضات وبالتالي، سيتخلون عنها في أقرب محطة اتفاق سياسي، إذا ما كان الوصول إليها ممكناً، غير أن مختلف المؤشرات والتجارب، خلال ما يقرب من عامين في اليمن، تشير إلى أن التصعيد سيكون سيد الموقف، وأن المقترحات والجهود السياسية الدولية، لا تؤدي إلى اتفاقات بقدر ما تتحكم بالمسار السياسي المترافق مع الحرب.