وظيفة الحكومة، أي حكومة في العالم، هي تحقيق السعادة للمجتمع وتوفير الراحة والرفاه للمواطنين عبر آليات معروفة، منها توفير السلع والخدمات بأسعار مناسبة، وتوفير الخدمات الرئيسية مثل المأكل والمشرب والتعليم والدواء والرعاية الصحية والتأمينية، وتطوير البنية التحتية من طرق وكباري ومواصلات وكهرباء ومياه وصرف صحي وغيرها، والأهم من ذلك أن تعمل الحكومة على هدف هو مراعاة أن تتناسب دخول أفراد المجتمع مع مستويات الأسعار والتضخم، بحيث يكفي الدخل متطلبات الحياة اليومية أو الشهرية للمواطن.
هكذا تقول الكتب التي تعرف الحكومات وتحدد وظائفها، لكن يبدو أن حكوماتنا العربية لا تعرف هذا التعريف المنطقي، أو على الأقل لا تلتزم به، بل وتضرب به عرض الحائط، فعندما تواجه هذه الحكومات، أي حكومة، أزمة اقتصادية ومالية وعجزاً في الموازنة بسبب تراجع الإيرادات العامة، فإن أول ما تضحي به هو المواطن بدلاً من البحث عن حلول مبتكرة وغير تقليدية يتم من خلالها زيادة الإنتاج، وبالتالي تنشيط الصادرات الخارجية والحد من الواردات، أو ترشيد الإنفاق الحكومي المبالغ فيه، والاستفادة القصوى من أصول الدولة، وزيادة إيراداتها خاصة الأراضي والثروات الطبيعية والبشرية.
وتلجأ حكوماتنا العربية للبدائل السهلة، والتي لا تحتاج جهداً مثل زيادة الضرائب، خاصة على مرتبات موظفي الدولة الفقراء، لأنها أموال مضمونة تخصم من المنبع، وكذا زيادة أسعار السلع والخدمات الحكومية، ورفع دعم الوقود سواء البنزين أو السولار أو الغاز الطبيعي المخصص للاستخدام المنزلي.
تتساوى في ذلك حكومات مصر وتونس والجزائر والمغرب والسودان والأردن والعراق وسورية واليمن وليبيا، وحتى بعض دول الخليج مثل البحرين وسلطنة عمان وغيرها.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل عندما تتراجع الأسعار عالمياً فإن العكس يحدث في المنطقة العربية حيث ترتفع الأسعار، وكأن الحكومات يعز عليها استفادة المواطن الفقير من هذه الانخفاضات والعيش في راحة نفسية لبعض الوقت.
اقرأ أيضاً: شح الدولار يرفع أسعار السلع في ليبيا
وسأدلل على كلامي بمثالين صارخين يتعلقان بأسعار الغذاء والوقود، فقبل أيام قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، إن أسعار الغذاء سواء القمح أو الذرة في الأسواق العالمية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كانت أقل 18% عن مستواها قبل عام، أي أن الأسعار تراجعت خلال عام كامل بهذه النسبة الكبيرة، أما أسعار النفط فقد فقدت نحو 60% من قيمتها منذ يونيو/حزيران 2014 وحتى الآن، حيث انخفض برميل النفط من 115 دولاراً للبرميل إلى أقل من 40 دولاراً.
السؤال المطروح هنا هو: هل استفاد المواطنون العرب من الانخفاضات الحادة في أسعار الوقود والغذاء؟
الإجابة بالطبع: لا.
ويبدو أن الحكومات العربية لا تزال تطبق نظرية اعتمدها وأقرها حكام أطاحت بهم الثورات العربية مثل مبارك وعلي عبد الله صالح وزين العابدين بن علي والقذافي وغيرهم، والتي كانت تقوم على إشغال الناس في أزمات معيشية وحياتية متلاحقة حتى لا يهتموا بشؤون السياسة، وبعدها يسألون عن حقوقهم ويطالبون بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
إنها حكومات لا تريد لهذه الشعوب أن تسعد أو تعيش بكرامة أو تحيا بلا مشاكل وأزمات اقتصادية متلاحقة، وإلا اتسعت رقعة المعارضة لهذه الحكومات التي يهمها أن تظل مستمرة في مواقعها حتى آخر نفس.
اقرأ أيضاً:
الليبيون يخزّنون السلع خوفاً من اختفائها
توجه حكومي لزيادة الأسعار يثير غضب السودانيين