حكواتي: وضع النقاط على الخروف

04 أكتوبر 2014
أسئلة الصحافة تتكرر مع كلّ عيد (Getty)
+ الخط -

 

لو معي دنانير بقدر ما انكتب في الجرائد العربية "عيد بأية حال" لأصبحت مليونيرا عدّاً ونقداً.

قبل كلّ عيد بيومين ثلاثة، أمرّ على الجرائد، وأتأكد من أن كل شيء على ما يرام، أي أن الأعمدة الصحفية "يسميها محمود درويش التوابيت"، تنتظر العيد لتعيد العناوين المعتادة "عيد بأية حال عدت يا عيد..."، وطبعاً ضروري الثلاث نقاط بعد "حال" حتى يُظهر الكاتب أن وراء النقاط ما وراءها.

كاتب آخر ينتبه إلى التكرار، كاتب مغرم بالفرادة، ويرى أن القاعدة وُجدت لكي نشذّ عنها، فيشطب كلمتين ويصبح العنوان "عيد بأية حال.."، ويشطب كذلك نقطة من النقاط الثلاث (ليش البعزقة؟).

والكاتب ينتظر بالطبع أن يتأثر جمهور القراء أيما تأثر. ينتظر ويحدوه التوقع والأمل في جمهور عجنه وخبزه، وخبر دموعه بين يدي عمرو خالد.

الكاتب يذكّرنا بأن هذا العيد العربي أكثر سواداً. لا أعرف إلى أين سيصل اللون الأسود إذا كان في كل عيد سيرتفع سواده درجة إضافية. مع ملاحظة أن "السواد" الأعظم من الناس يفضّلون الأسود ملك الألوان، بدءاً من تنورة "هيجر" التي تمشي مع كل الألوان وانتهاء بالرولز رويس السوداء الفخيمة.

ثم ماذا بعد، وماذا قبل؟

بين عيد الفطر السعيد والعيد الكبير كالعادة شهران و10 تيّام. وقبل العيد وبعده كالعادة شهور وأيام: شهر بأية حال عدت يا شهر ويوم بأية حال عدت يا يوم؟ ورمضان بأية حال عدت يا رمضان، ويوم المعلم ويوم المرور العالمي وعيد الشجرة وعيد الأم وعيد العمّال.

رمضان مليء بنداءات S.O.S لإيقاف المجزرة احتراماً للشهر الفضيل، والمعلم يركض وراء الرغيف ويواصل الكذب على التلاميذ بأن موقع بلادنا استراتيجي دون بلاد العالم، ويوم المرور العالمي كالعادة لا يقوم الشرطي بتنظيم المرور، بل يمارس عقدة توكيد الذات على شوارع الدهماء، حيث كل السيارات ينبغي أن تمر من تحت إبطه، وعيد الشجرة يذكّرنا بأن التصحّر وصل إلى أصيص القرنفل، وعيد الأم كالعادة نشتري فيه طنجرة تيفال للوالدة الكريمة، وعيد العمّال نحتفي فيه بالسواعد السُمر، كأنه يوم البرونزاج العالمي، وليس تذكيراً بالانتهاك.

عيد الأضحى أو العيد الكبير أو عيد الضحية مناسبة كي نضع النقاط على الخروف: لا نحتاج الأسئلة الاستنكارية مثل "أين العرب؟" و"أين الأمة؟" و"أين الشرف والكرامة والسؤدد؟".

كل هذه ينبغي أن تصبح أسئلة استفهامية مخبرية وأجوبتها واضحة وضوح البعرة على الثلج.

-أين العرب؟

-والله شفتهم راكبين باص من ربع ساعة تقريباً.

- أين الكرامة؟

- في المطبخ بجنب شوال البطاطا.

 

 

 

 

 

 

 

 

المساهمون