حكواتي: لكم شامُكم ولي شامُ

كان ثمّة ولد يدور حاملًا جرائد سورية. اشتريت منه، فقال: "هل تريد جريدة أخرى؟"، فقلت: لا، تكفي هذه". وبدأت أقرأ، عدم المؤاخذة، جريدة البعث".

كنت أقرأ العناوين المخنوقة، التي تصلح لمحضر شرطة لا لجريدة، والتي ترسل القارىء إلى مستقبل واحد وتزيد في جعله صالحاً لهذا المكان والزمان".

لم تكن لديّ القدرة على مواصلة القراءة، خصوصاً أنّني أعاني من حالة مرضية اسمها العلمي "متلازمة الأمعاء الهيّوجة".

مع ذلك، كتبت سلسلة زوايا (كانت لديّ زاوية اسمها: على قلق) عن الشام، فبلغتني مدائح، أمدوحة تنطح أمدوحة.

وحين كتبت عن البيت الذي علينا أن نحذر من أن يصبح آيلاً للسقوط، بلغتني الشتائم: أشتومة تنطح أشتومة.

هناك جماليات في الشام، هذا صحيح، لكنّها "جماليات الأفق المسدود"، على ما يذهب الناقد صبري حافظ في النموذج المصري.

في الشام تحسّ أنّك في بيتك. هذا حقيقي. لكنّه بيت تجد فيه زوج عمّتك الذي اشترى إشارة ضوئية في نصّ الشام، ويحرّر المخالفات لحساب جيبه الخاص، لا لحساب الدولة. فهذه حسابها على الله.

وما زال طعم صفيحة أبو العزّ اللذيذة وكبّة اللبن في فمك، لكنّ الدولة تأكل صفيحة وكبّة ببلاش.

وما شأنك أنت؟

نحن "الاستغلاليون" الآتون من الأردن نأتي إلى الشام لأنّ كلّ شيء ألذ وأبهج هنا، وأقلّ كلفة.

كلّ خيوط الحرير والكتّان والمصّيص ما زالت تنسج سيرة الأرض والإنسان. وحين يرحَل فنانو السجّاد الدمشقيون، على طريق الحرير، إلى فارس، تبقى دمشق ملكة النسيج.

هذا ستعاينه بقلبك، لكن عليك أن تمرّ من حدود جابر بين الأردن وسورية لترى الدولة الرثّة بثياب (متعنطزة) تمارس نوعاً من الفساد قلّ نظيره في بلد آخر.

الفساد الذي لا يتوارى، والمحميّ من الدولة.

 قلت لمفكر سوري: إنّها دولة بوليسية. قال: لا إنّها أمنية. قلت: كيف؟ قال: الدولة البوليسية تتعقب مناوئيها، والأمنية تتعقب المجتمع كلّه.

هنا، من لا يفسد هو محطّ المساءلة.

لذلك ستجد شرطي الحدود يدفع مبلغاً وازناً حتّى يتسلّم مهمته على الحدود. وحين تقدّم جواز سفرك سيطلب منك بكلّ أريحية: أعطني رشوتي لو سمحت!

ستعبر نموذج الدولة الرثّة على الحدود، وسترى شامَكَ، ولكلّ شامُهُ. ثم ستقرأ عَرَضاً جريدة البعث، وتقول: لكم دينكم ولي دينُ.