حكواتي: لا مكان لفيلٍ أبيضٍ هنا بعد

21 اغسطس 2015
(Getty)
+ الخط -
لم تقصد الصيدلية لتشتري فحصاً للحمل، وعرفت أنّها حامل قبل أن تنقطع عنها الدورة الشهرية حتّى. لا تحتاج الأمّ إلى اختبارات في مثل هذه الحالات. تشعر بالجسد الضئيل داخلها منذ يومه الأول.

تبالغ، منذ يومه الأول هذا، في مشاعرها وتصرفّاتها حيال أيّ شيء. تشعر بدفءٍ كثير وبرد كثير في الوقت عينه. تأكل إذا جاعت. تأكل إذا فرحت. تأكل إذا غضبت، وتأكل إذا ملّت. تبكي أيضاً إذا جاعت أو فرحت أو غضبت أو ملّت. تملّ من نفسها أغلب الأحيان.

تخلع ثيابها كل مساء، وتقف عارية أمام المرآة. تنظر إلى الجسد الذي ينتفخ رويداً رويداً. لا يعجبها. تنظر إلى وجهها، وتقول: "أبدو لطيفة". يجيبها صوت داخلي: "الأمّهات جميعهنّ يبدون لطيفات". تُسكت الصوت، وتكرّر لنفسها بصوت عال: "بل البدينات جميعهنّ يبدون لطيفات". تضيف: "لا أريد أن أكون أمّاً، أو بدينة، أو لطيفة أيضاً". ترتدي ثيابها من جديد، وتضع أحمر فاقعاً فوق شفتيها. "هكذا سأبدو أقلّ لطفاً" تقنع نفسها.

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: طريق قلب المرأة.. تمرّ من معدتها أيضاً

"لن ألجأ إلى الرومانسية"، تقول لنفسها. لا توفر له جوّاً حميماً. لا تعطيه الدفء. لا تريد أن تسمع الموسيقى معه. تودّ لو تغلق له أذنيه حتى لا يسمع ما تسمع. تسأل نفسها: "كيف يشاركني جسدي، وأنا لست مستعدّة بعد لأشاركه أغنية"؟ وهي تقصد هنا المقهى المعتاد، وتحمل معها كتاباً لإرنست همنغواي. تقرأ أسطراً قليلة من قصّة "تلال كالفيلة البيضاء"، ثم تترك الكتاب.

تسأل نفسها: "هل أريد طفلاً حقّاً"؟ "لا"، يأتيها الجواب حاسماً من مكان ما في داخلها. تعاتب نفسها لأنّها لا تفكر مثل أمّها أو جميع الأمهات اللواتي تعرفهنّ. ترفض تحمّل عبء المثالية مثلهنّ. تتذكر جملة قرأتها في مكان ما: "جميع الأمهات قديسات". تكتب على صفحة بيضاء أمامها: "لا أريد أن أكون قديسة".

اقرأ أيضاً: الخوري يوسف: حبّ مسيحيّ - إسلاميّ لمئة عام

فكرّتْ بالعملية طوال شهرين، وتوقفت عندما وجدت أن لا جدوى من ذلك. "هي خطية القتل التي يريدنا الجميع أن نحملها، ورفضتُ أنا حملها". تكمل الحديث مع نفسها: "إذا صوّرنا الأمر على هذا النحو، فأنا أولى بقتله. سأقتله قبل أن تقتله الحروب". تتذكر صورة الطفلة السورية التي رفعت يديها خوفاً من مصوّر، لأنّها ظنّت أن الكاميرا بندقية. الحروب تقتل الأطفال جميعهم، وإن لم يموتوا.

ملأتْ نفسها بالحب إلى حدوده القصوى. ذاك النوع من الحبّ الذي يدفعك إمّا إلى الانتحار أو إلى القتل. لم تنتحر. في الليلة التي تسبق العملية، طلبت من زوجها أن تنام وحدها على السرير. نامت نوماً عميقاً لم تنم مثله منذ شهرين. حضنت بطنها، حضنته، وسمعا سويّاً أغنية "صافيني مرّة". كانت تلك ذكرياتهما معاً. والذكريات لا تموت، وإن متنا.

اقرأ أيضاً: زوجة مؤسّس الفيسبوك حامل بعد ثلاثة إجهاضات: ننتظر فتاة
دلالات
المساهمون