حكواتي: عن منعم وأبو شعبان "نجوم" شارع الحمرا

15 يناير 2015
أجواء شارع الحمرا (رمزي حيدر/AFP)
+ الخط -
مجانين الليل، السكارى، فقراء العقل والكبد، وغيرها من توصيفات يلقيها كثيرون على أشباه "منعم" و "أبو شعبان"، وهما من روّاد شارع الحمرا غير المرغوب بهم من قبل كثيرين. يُسمّيهم البعض "السكارى"، لأنّهما لم يجدا غير الغياب عن الوعي مدخلاً إلى التآلف والعيش بسلام بين الناس العاديين. هما اللذان يعيشان في عالم وهمي من أغانٍ ومغامرات وذكريات.

"منعم" هو شخصية مسرحية، يعتبر أنّ شارع الحمرا ملكٌ له ولهواة الجنون والغناء الصاخب والرقص وحتّى التعرّي. يظهر كلّ يوم في شارع المقدسي بمنطقة الحمرا في بيروت التي تُعرف بحاناتها المتنوّعة وفئاتها العمرية المختلفة. أحياناً يأتي بزيّه كاملاً متكاملاً، من البنطال إلى القميص والحذاء الأبيض اللامع، وبيده قنّينة جعة يتأرجح بها في الشارع، وأحياناً أخرى يظهر نصف عارٍ أو ملتحفاً بشرشفٍ. ويُعرف في الشارع بارتدائه القبعات الغريبة، الأقنعة الأفريقية، أو ثيابه الملوّنة الفاقعة.

"مسرح برودواي... في الحمرا". هذا ما كان منعم يحلم به: أن يعتلي خشبة برودواي في الولايات المتحدة الأميركية، وأن يُضحك الجمهور. لكن كلّ ما استطاع فعله هو أن يعود ليختلي بوحدته في زواريب بيروت، كئيباً، محطّماً. لا يشاركه أحد السرير منذ أكثر من 10 سنوات. والشائعات تقول إنّه يمتلك ثلاث مبانٍ في منطقة الروشة برأس بيروت، وأنّه شديد الثراء. 

في الشارع عشرات النساء اللاتي يخفن من منعم، الذي يراقصهنّ كلّما استمع إلى أغانٍ قديمة، وشبّان ورجال يطاردونه كلّما اقترب منهم أو من نسائهم. لكنّه يهوى صيد الأسماك والغناء والفرح بغضّ النظر عن هروبه إلى الكحول ليلا ونهاراً. فهو لا يتعب من الرقص، في البرد والحرّ، وأيّاً كانت الأحوال الأمنية. ويعود كلّ فجرٍ إلى وحدته. 

مثله أبو شعبان، الذي يلقّب نفسه بـ"العقيد". هو من الذين تنطبق عليهم مقولة لبنانية شهيرة: "في كلّ عرس له قرص". فهو يشارك العابرين أحزانهم وأفراحهم. وله روتين يومي لم يتغيّر منذ عقود: يستيقظ، يذهب إلى عمله (في الدهان) ثم يرتدي المعطف الذي يروي أنّه اشتراه من ميونيخ عندما كان ناشطاً ومناضلاً. ويروي للمارّة حكايات لا نعرف صدقها من كذبها.

أبو شعبان مثل منعم، لكنّه أكثر عصبية، فهو يهوى الغناء والرقص والفرح والدوران في شوارع بيروت حاملاً كأسه في سيّارات النقل العمومي. ويسمّي نفسه "عقيد المنطقة" الذي لا يؤذي أحداً.

ينقسم الساهرون في هذا الشارع بين فئتين، الأولى تحنّ على هاتين الشخصيتين، والثانية تكرههما. لكن الكلّ بعد منتصف الليل يصيرون على موجةٍ واحدة. يعودون إلى منازلهم، أزواجاً أو فرادى، ويبقى الزجاج المكسّر في الشارع دليلاً على أنّ أبو شعبان ومنعم قد مرّا من هنا الليلة، وأنّهما ما زالا بخير. 

المساهمون