حكواتي: حذائي والمطر

04 ديسمبر 2014
يشم حذائي رائحة حفر المياه عن بعد (Getty)
+ الخط -
أشتاق إلى المطر في قريتي. تربطني علاقة غريبة به هناك، وحذائي هو محورها. حتى أنّي في طفولتي فكّرت في تأليف أغنية "حذائي والمطر".

لم أؤلف الأغنية لاحقاً. ليس لأنني لم أقتنع بها، بل لأنّ حذائي لم يترك لي وقتاً كافياً كي أؤلفها. يبتلع حذائي الوقت والمطر كلّه. كنت أملك حذاءً واحداً فقط لفصل الشتاء. حذاء أسود يصل الكاحل. كان يمكن أن يكون حذائي مثاليّاً، لولا عيبه الوحيد في امتصاص الماء كلّه. يغافلني. يفتش عن الماء أينما كان، ويطأ فيه من دون إذني. يشمّ رائحة حفر المياه عن بعد. أراه يأخذني من دون إرادة مني، ويغطس فيها. لم أكن أتحكم في حذائي. كان حذائي المسيطر. كان الآمر الناهي. يعطيه المطر قوّة لا أستطيع تطويقها. وأراه يجرني، يغريني ونغرق في الماء سوية.

إبتكرنا ألعاباً أبطالها، حذائي وأحذية رفاقي والمطر. نتسابق نحو برك المياه التي شكلّها المطر. نقفز فوقها عاليّاً. يبلّلنا المطر من الرأس حتى القدمين، حيث يقوم حذائي بواجبه على أتمّ وجه. نقفز وتقفز معنا حبات المطر. تتساقط هذه المرة على وقع أقدامنا. كنا نظن، أننا نحن من ينزل المطر، من يُنزل الماء من السماء. ومن يدري، ربما كنا نحن حقّاً.

أصل إلى المدرسة. أتزاحم مع رفاقي حول المدفئة الصغيرة في الصف الكبير. لا نشعر بالدفء طوال الدوام. نعود بعد الظهر إلى المنازل. يمارس حذائي الألاعيب نفسها في طريق العودة. وأغرق أنا وهو أكثر في المياه. كنت أحب فكرة أنني أنتعل بحيرة في قدمي. أنتعل بحيرة في كل قدم. أخلع حذائي خارج المنزل. أقضي الساعات المتبقية قبل موعد النوم ملتصقة بالمدفئة. لا تكاد تجف قدمي، حتى يطلع صباح جديد. أنتعل حذائي الأوحد الذي لم يجف من اليوم السابق. أنتعل بحيرتين في قدمي وأمشي. هكذا كنت أقضي كل أيام فصل الشتاء. أغرق كل يوم، ولا أجف أبداً.

ها أنا ذا اليوم، أخون فصل الشتاء. أمشي تحت المطر في شوارع بيروت. أنتعل حذاءً أسود يصل الكاحل. لا عيب فيه. لا يمتص المياه. لا يغرق. لا يحرّض المطر على التساقط. أنتعل حذاءً. لا أنتعل بحيرتيْن. أصرّ على أن لا أحمل شمسية. أحرص على أن أتبلل. تؤذيني فكرة أن لا أبتلّ في هذا الفصل، لذا لا أحمل شمسية. لا أستطيع خيانة هذا الفصل أكثر.
دلالات
المساهمون