حكواتي: ثورة النمل

24 ابريل 2014
ثورة مخبّأة
+ الخط -
منذ أن رُزقنا بطفلة وزوجتي حريصة على تعقيم كل شيء في المنزل. بلغت ابنتي السادسة وزوجتي تحرص على تعطير المنزل وتعقيمه. نادراً ما دهمنا "البرغش". بالكاد لمحنا حشرة. بدا الامر ضرباً من الخيال. كيف لحشرة أن تغامر بدخول منزلنا؟ فقد جهّزت زوجتي كلّ ما يلزم لمواجهة أيّ زاحف أو طائر من الحشرات يتجرّأ على دخول منزل طفلتها.

أذكر تماماً حين بدأت طفلتي بالتعرّف إلى الحشرات. كنت أقصد "حديقة الصنائع" العامة في بيروت. نمشي خلف أسراب النمل ونرى الزواحف التي تتسلق الجدران العتيقة هناك. حشرات كالصرصار واشباهه بالكاد نصادفها عند مدخل البناية، او على الرصيف.

ذات يوم لمحت ابنتي وقد جلست القرفصاء على الشرفة؟ بدت كأنّها تحاول إخفاء أمر عنّي. كانت تلتفّت شمالاً ويميناً ثم تطوي كفّيها. فاقتربت منها وحاولت معرفة ما في الأمر. أسرّت لي أنّها اكتشفت وكراً للنمل في آخر الشرفة بين المنزل وجدران البناية الخارجية.

حرصنا على أن نتكتّم عن الامر وندعم مملكة النمل الجديدة التي شيّدت في زاوية ضيّقة جداً على الشرفة، بكل أنواع البذور الممكنة. حرسناها واتفقنا مع الفتاة التي تساعد زوجتي في أعمال البيت على ألا تقترب من بيت النمل الجديد.

نَمَت مملكة النمل وتعاظمت. أسرابهم جلبت كلّ بقايا حشرات الصيف إلى مخبئهم. وكنّا نراقبهم بشغف، ونحكي طويلا أنا وابنتي عن مشاريعهم. تابعنا فيلماً وثائقياً على اليوتيوب عنهم. افترضنا شكل المملكة التي شيّدوها في ثقب الشرفة الصغير.

ذات يوم عدت إلى المنزل وقد اغرورقت عينا ابنتي لين بالدمع. عرفت أنّ زوجتي اكتشفت الأمر... انتهت مملكة النمل بجرعة بودرة مضادة لهم وأغلقت زوجتي الثغرة التي صنعوها في آخر الشرفة بجبلة ترابة بيضاء صغيرة. القرار الذي اتُّخِذَ كان مبرّره أنّ "النمل يتسبّب بالحساسية الجلدية". لكن لم تقتنع لين بالأمر. أيّدت غضبها وقرّرنا أن نسمّي عصياننا المنزلي "ثورة النّمل".

منذ أن اندلعت شرارة الثورة في البيت ونحن نحمل أيّ شيء معاً. نادراً ما نرمي بالقطع التي لم تعد صالحة للاستهلاك. نحاول أن نصنع منها شيئاً للزينة.

سنة ونصف السنة مرّت على عمر ثورتنا ونحن نمشي خلف بعضنا البعض في المنزل مردّدين: واحد اثنان نمل.. واحد اثنان نمل.. واحد اثنان نمل.. إذ لم يعد هنا ينفع لا بودرة ولا أدوات تعقيم في القضاء على الثورة المستجدّة.

سنة ونصف السنة ونحن نردّد هتافنا حتى سلّمت زوجتي البودرة المضادة للنمل.. وها نحن ننتظر صيفاً نشيّد فيه من جديد مملكة النمل.

دلالات
المساهمون