حكم الأسد وأسئلة النهاية .. عشرينية بشار وخمسينية العائلة
يتمّ بشار الأسد اليوم (السابع عشر من يوليو/ تموز)، عشرين عاما من حكمه سورية، وريثاً لأبيه حافظ الأسد، الذي أمضى في حكمه المطلق ما يقرب ثلاثين سنة، إلى أن مات في العاشر من يونيو/ حزيران عام 2000.
كانت كل الأمور مهيأة تماماً لنقل السلطة إلى الابن، فبعد ساعات الترتيب الأمني، كان مجلس الشعب (البرلمان) منعقداً في جلسة طارئة وعاجلة، اتخذ فيها، وكالعادة، بالإجماع، قرار القفز بالابن خمس رتب عسكرية كبيرة، ليغدو فريقاً أوّل وقائداً للجيش، ومن ثم أقر المجلس أيضاً، وبالإجماع، تغيير المادة الدستورية الخاصة بسنِّ المرشح لرئاسة الجمهورية، لتغدو ولمرة واحدة فقط 34 عاماً على مقاس عمره. وخلال شهر، تم إجراء الاقتراع الصوري المسمّى انتخاباً بغير منافسين، فدستور حزب البعث لا يسمح أن ينافس أحد مرشحه، لأن هذا الحزب قائد الدولة والمجتمع، بحسب الدستور إياه.
كيف وصل بشار إلى الحكم
حتى العام 1983 ومع السلطات المطلقة والأبدية لحافظ الأسد، لم يكن في وارد أحد الحديث عن مستقبل الرئاسة في سورية، فالأسد في عنفوانه ومطلع خمسينيات عمره مزهوٌّ بقضائه على حركة الإخوان المسلمين وطليعتها المقاتلة، ومن تجرأ من أقصى اليسار على التحرّك ضده. لكن ظروف مرضه المفاجئ الذي غيبه عن ممارسة مهامه أوائل العام 1984 ومحاولات شقيقه، رفعت، إنزال قوته الضاربة (سرايا الدفاع) للاستيلاء على المراكز الحيوية في قلب العاصمة دمشق ومحيطها، ومناوأة معظم القيادات العسكرية البارزة، خصوصا من ضباط الطائفة العلوية، محاولات رفعت، وتزامن ذلك مع تحسّن الوضع الصحي لحافظ الأسد، جعل الأخير يتدخل عاجلاً مستوعباً طموحات أخيه، ليعمل بأعصاب باردة على نزع فتيل الأزمة أولاً، ومن ثم التكتيك مع الحليف السوفييتي آنذاك، لإبعاد رفعت وفق شروط تم التوافق عليها ومبالغ طائلة ساهم بها حليفه الليبي معمر القذافي. ثم أخذ حافظ الأسد بالتهيئة لإعداد ابنه الأكبر، باسل، ولم تمض سنوات حتى بات اسم الأخير مسبوقاً بستة ألقاب توحي بالمهابة، على الرغم من عاديتها في المجالين العسكري والمدني، الفارس الذهبي المهندس الرائد الركن المظلي باسل الأسد.
الضربة الموجعة والمفاجئة لمشروع حافظ الأسد التوريثي جاءت عبر موت باسل الأسد، سواء أكان بقدرية أم بتخطيط مجهول
الضربة الموجعة والمفاجئة لمشروع حافظ الأسد التوريثي جاءت عبر الموت، سواء أكان بقدرية أم بتخطيط مجهول ما زال مختلفاً عليه، فقد انتهت حياة باسل صبيحة يومٍ شتائي ضبابي على طريق مطار دمشق مطلع العام 1994. ولكن الأسد الأب بقي في خضم فاجعته متماسكاً وواعياً لبدائله، إذ سرعان ما استدعى ابنه الثاني، بشار، من إنكلترا، حيث كان يتابع تخصّصه في طب العيون، ليكون حاضراً مراسم العزاء وصلاة الجنازة (أخطأ فيها على نحو فاضح) أمام كاميرات التلفزة التي تقصد التركيز عليه. بعد أيام، تم اتخاذ القرار رسمياً بتأهيل بشار ليكون وريث الحكم، وكلف رجل المخابرات، العميد بهجت سليمان، بمهمة الإشراف على التأهيل والإعداد، لتبدأ مرحلة الإبعاد الصامت لكبار الرتب العسكرية، خصوصا من الطائفة العلوية التي يُسْتشفُّ منها موقف غير متحمس لخطوة التوريث، أو يخشى من نفوذها وتأثيرها، فكان أول المبعدين قائد الوحدات الخاصة، اللواء علي حيدر، ولم يكن آخرهم رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء علي دوبا، وآخر الأقوياء من الضباط السنة رئيس هيئة الأركان، العماد حكمت الشهابي. فيما كانت الثقة بالعماد علي أصلان، الذي تولى قيادة الأركان، وكان عسكرياً معروفاً بالابتعاد عن الطموحات السياسية، وبالعماد أول مصطفى طلاس، وزير الدفاع وشريك حافظ الأسد وأمينه على المشروع. وبذلك مضت عربة التوريث من دون عقبات، لتكون كل الأمور مهيأة حتى قبل موت حافظ الأسد.
عشرينية بشار
باشر بشار الأسد حكمه الرسمي إثر ما عُرف بخطاب القسم في مثل هذا اليوم، 17 يوليو/ تموز عام 2000، وبدأ بإصدار حُزَمٍ من المراسيم يومياً موحياً بمرحلة تطوير وتحديث وعد بها. شهدت السنتان الأوليان من حكمه تحسّناً معيشياً طفيفاً كان مخططاً له، تزامناً مع ما بدا في الظاهر بعضَ لين في القبضة الحديدية الأمنية التي سرعان ما عادت في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين (2003)، ثم مقتل رفيق الحريري في لبنان (2005)، والاتهام المباشر لنظام الأسد بالضلوع فيه والتوجّه الفوري إلى محكمة تحقيق دولية. وعلى الرغم من استجابة النظام لمهلة الشهر الممنوحة له لتنفيذ قرار مجلس الأمن (1559)، القاضي بإخراج قواته من لبنان، فإن ملامح الارتباك والتخوف ظهرت واضحةً في صفوف النظام، خصوصا مع ما شهدته المرحلة من انشقاقات وتصفيات (أبرزها انشقاق نائب الرئيس عبد الحليم خدام ومقتل وزير الداخلية غازي كنعان)، فزجّ في السجون المعارضين خارج جبهة النظام، ممن وقّعوا وثيقة "إعلان دمشق للتغيير"، وراح يستخدم كل أدواته للدفاع عن بقائه. ويضيق المجال هنا حتى بسرد بعض ما اتبعه، لكنّ المهم في سياق موضوع هذه المراجعة رواية لافتة للوزير اللبناني السابق ميشال سماحة.
ميشال سماحة : حافظ الأسد ضمن الحكم لبشار عشرين سنة .
جاءت الرواية في سياق الحرب الإعلامية التي شهدتها الساحة اللبنانية عقب مقتل الحريري، وما يلوّح بعضٌ به إلى أن نظام الأسد إلى زوال، فيما ينبري سماحة للدفاع عن متانة النظام ورسوخه وبأنه باقٍ عشرين سنة بضمانات دولية، فيروي أنه كان مع عز الدين ناصر (عضو القيادة القطرية في حزب البعث ورئيس اتحاد العمال والمقرّب جدّاً من حافظ الأسد)، في الطريق إلى مكتب الرئاسة، إثر انتهاء أعمال المؤتمر العمالي العام، والذي حضره سماحة ضيفاً. وكان في حوزة ناصر عددٌ كبيرٌ من الطلبات العامة والشخصية له ولسماحة. وكان ناصر يمنّي النفس أن يكون الرئيس رائق البال، عسى أن يوافق لهما ولو على بعض الطلبات. يتابع سماحة أنه انتظر خارج مكاتب القصر لأن اللقاء كان شخصياً، ولكنه ما أن رأى صاحبه يخرج حتى عرف من ابتسامته وانفراج أساريره علامات الرضا بما حدث، وفي السيارة، قال له ناصر حرفياً: "كان الرفيق أبو باسل بمنتهى الرواق ووافق لنا على جميع الطلبات، وأسرّ لي بما يفرحه قائلاً: البارحة ضَمِنَّا الحكم لبشار عشرين سنة" (رواية سماحة على تلفزيون الجديد عام 2005 وما زالت في أرشيفه).
هل أتى بشار الأسد حقّاً بضمانة دوليّة لعشرين عاماً من الحكم؟ وهل يعرف من أعطاها سير دوره الوظيفيّ خلالها؟ التشكيك في مصداقية رواية سماحة وارد، لكنّ ما يسندها ليس فقط استطاعة نظام الأسد التفلّت من مآلات المحكمة الدوليّة الخاصة بجريمة قتل رفيق الحريري، المحكمة المستمرة من دون فعاليّة، إنّما في ما حدث بعد ذلك عبر ما ارتكبه نظام الأسد من جرائم ضد السوريين على مدى تسع سنوات من الثورة السورية، والكفيلة بأن تجعل من أيّ حاكم يقترف مثلها أو القليل منها يحمل صفة السابق أو الأسبق، وفي سرّ بقائه على كرسيّ الحكم، على الرغم مما يعتريه من تخلّعات واهتزازات، وهو ما تدعمه شهادة أحد أهمّ العارفين بأسرار تركيبة ذلك النظام وشريك أسرار الأسد الأب، وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس.
هل أتى بشار الأسد حقّاً بضمانة دوليّة لعشرين عاماً من الحكم؟ وهل يعرف من أعطاها سير دوره الوظيفيّ خلالها؟
تمثل الخطر الأكبر الذي تعرّض له حكم الأسد ونظامه في اندلاع الثورة السورية، أواسط مارس/ آذار 2011، وشمولها أغلب المناطق السوريّة، على غير ما كان يتوقّع الأسد ومنظومته الأمنيّة. وبحسب تصريحه بعد بدء الربيع العربيّ لصحيفة وول ستريت الأميركية، حين اعتبر نظامه في منأى عن رياح التغيير الشعبي. ولكنّ الثورة الكاسرة حاجزي الصمت والخوف تجاوزت في عنفوانها ما سبقها من ثورات الربيع العربيّ، فلم يجد الأسد من سبيلٍ غير المواجهة العسكريّة، معلناً، في خطابه الأوّل بعد اندلاعها بأيام، "إن أرادوها حرباً فلتكن"، ورفعت منظومته الشعار الشهير "الأسد أو نحرق البلد"، وقد فعلت.
تواترت الانشقاقات عن النظام والتي بلغت ذروتها صيف 2012، مع انشقاق رئيس الحكومة رياض حجاب، وقائد اللواء 105 حرس جمهوري، العميد مناف طلاس، والذي وإن لم يكن صاحب الرتبة الأعلى بين المنشقين عسكريّاً لكنّه الأكثر تأثيراً، كونه نجل مصطفى طلاس، أحد شركاء عمليّة التوريث. وتأتي شهادة طلاس الأب، في سياق قضية هذا البحث هنا. يقول رجل المال والأعمال والابن الأكبر للعائلة، فراس طلاس، إنه عندما أزمع وشقيقه مناف على الوقوف ضدّ نظام بشار الأسد، نصحهما والدهما قائلاً: "لا يمكنكما لا أنتما ولا الدول العربيّة إسقاط هذا النظام، سقوط هذا النظام هو تغيير لشكل النظام العالمي، لأن حافظ الأسد نسج نظامه داخل النظام العالمي".
مصطفى طلاس : سقوط النظام تغيير لشكل النظام العالمي لأنه منسوج داخله.
وتحمل هذه الشهادة، ومن شخصٍ بمستوى معرفة مصطفى طلاس بنية نظام الأسد وشراكته أسراره أربعة عقود، تحمل بعداً أعمق بكثير وأكثر دلالة من رواية ميشال سماحة، وتطرح السؤال عن بنية نظام الأسد ضمن النظام العالمي ودوره الوظيفيّ الذي شكّل له الضمانة.
ضمن حافظ الأسد التوريث لابنه
بعيداً عن نظرية "حكّام العالم السريّين" وما يزعمه المقتنعون بها إنّ من ضَمِنَ الحكم للأب أعاد طمأنته بضمانه لابنه عشرين سنة، يعرف الراسمون دوره الوظيفيّ لخدمة مخططاتهم المرسومة بدقة، والتي يذهب إليها المؤوّلون رواية ميشال سماحة. ومع التأكيد على مدلول شهادة طلاس عن نسج حافظ الأسد نظامه داخل النظام العالميّ، فإنّ ضلوع القوى العظمى في عمليّة انتقال السلطة من الأب إلى الابن مؤكّد بالوثائق:
- تمّ إخبار الأميركيين منذ عام 1994 بأن القرار في دمشق اتخذّ رسميّاً ولا رجعة عنه بتهيئة بشار الأسد لوراثة أبيه في حكم سورية، عبر محمّد مخلوف، خال بشار، وهو المكلّف من حافظ الأسد منذ السبعينيات بالتواصل مع الأميركيين (وثائق ويكيليكس). وما يؤكّد الرضا الأميركي حضور وزيرة الخارجيّة، مادلين أولبرايت، مراسم العزاء بحافظ الأسد، واجتماعها المنفرد ببشار، ثم بقاؤها يوما إضافيا في دمشق بطلب سعوديّ (أكّده السفير السعودي الأسبق في واشنطن، بندر بن سلطان، في مقابلة مع موقع إندبندنت عربية)، لتخرج بتصريحها "إنّ الحكومة الأميركيّة راضية عن آلية انتقال السلطة في سورية"، ولتسكت بعدها حملة إعلامية كبيرة كانت تشهّر بسابقة "التوريث الجمهوري" وطريقته الفجّة.
- أكّد الملحق العسكريّ في السفارة الروسية في دمشق وقتها، الفريق فلاديمير فيودوروف، وفي أكثر من مرّة، عبر وسائل إعلام روسيّة، أنّ موسكو درست جيّداً ولسنوات موضوع التوريث ووافقت عليه.
نظام الأسد يبدو اليوم كشجرة شبه معطوبة، تتقاصر جذورها في تربة تزداد هشاشة، وقد أُتخِمَت نَخْراً وغدت قابلة للانكسار أمام كلّ هبّة ريح ذات إرادة
- ساهمت فرنسا في الموضوع علنيا. ويروي الرئيس الأسبق جاك شيراك، في مذكرّاته، أنّ حافظ الأسد طلب منه مساعدة الرئيس المقبل لسورية وأوكله بذلك، وأنّه لم يقصّر، وقد استقبل بشارَ رسميّاً وقبل تولّيه أيّ منصب استقبال الرؤساء في قصر الإليزيه.
- بريطانيا اللاعب الأساسي سياسيّاً (والأكثر صمتاً وسريّة)، والتي كان بشار وزوجته وعائلتها مقيمين فيها، كانت مساندةً لخطوات التوريث، وعبر لقاءات مباشرة ووسطاء على طريقتها وسابقتها مع الأب.
- السعوديّة وملكها عبد الله، الذي كان وليّا للعهد ومسيّراً لشؤون المملكة خلال فترة مرض الملك فهد، كان واضح التأييد وحضر مراسم العزاء، وهو من طلب بقاء أولبرايت في دمشق (رواية بندر بن سلطان).
أمّا إسرائيل، المعنيّة أكثر من سواها بانعكاسات الموضوع، فلا شكّ أن كلّ ما سبق يراعي إرادتها غير المعلنة.
أسئلة النهاية
بعد كلّ ما سبق، ما هو واقع نظام بشار الأسد في عشرينه؟ على الرغم من استطاعة النظام ظاهريّاً استعادة السيطرة على نصف مساحة سورية، وجعل مراكز المدن الكبرى والحيويّة متّصلة، والذي عبّر عنه الروس بمصطلح "سورية المفيدة"، فإنّ تلك المناطق تخضع لقوّتين داعمتين أقوى من النظام، روسيا وإيران بمليشياتها. ويبدو رأس النظام منزوع الإرادة ودائم التعرّض لإهانات مقصودة من حليفه الروسيّ، وعبر تسريباتٍ إعلاميّةٍ مقصودة. في المقابل، وعلى الرغم أيضاً من تهلهل المعارضة السياسيّة، وافتقارها الشعبيّة في الوسط الثوري، وانعدام فاعليّتها، فإن نصف سورية الآخر خارج كل سيطرة لنظام الأسد، وتتوزعه مجموعات مسلّحة متباينة الاتجاهات بين مشاريع وطنيّة وإسلاميّة متشدّدة، ومختلفة الولاءات، وإن كانت لتركيا إرادتها المرجّحة، حين تريد في الشمال الغربي، حيث قوّاتها المتزايدة، وبين قوّات كرديّة مدعومة أميركيّاً (قوات سورية الديمقراطية)، ووجود أميركي في الشمال الشرقي حيث النفط، إضافة إلى قواعد بريطانيّة وفرنسيّة في شرق البلاد.
لذلك، مزاعم نظام الأسد يكذّبها واقع الحال، أكثر ممّا هو واقع الأرض عسكريّاً، فالحليف الروسي غير مأمون الجانب تاريخيّاً، ومشهور بالبيع عندما يستطيع رفع ثمن الصفقة. وقد سبق له التخلّي عن حلفاء استراتيجيّين في يوغسلافيا والعراق وليبيا، وبأثمان أقلّ بكثير ممّا حصّله في سورية. وقد بدأ هذا الحليف يرسل إشاراته القوّية بإمكانيّة البدائل، ولعلّ ذلك ما دفع الأسد، الأسبوع الماضي، إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيرانيّ عبر توقيعه اتفاقيّة "التعاون العسكريّ الشّامل"، في رسالة إلى الروس قبل سواهم.
هل حان وقت إنهاء الدور الوظيفي للأسد ؟ أم مازال له دور بعد إتمام حكمه 20 عاماً .
يضاف إلى ما سبق إقرار قانون قيصر أميركيّاً والبدء بتطبيقه، والذي جعل الاقتصاد في الحضيض والليرة السوريّة تفقد أضعافاً من قيمتها بتسارع، والحالة المعيشيّة تتدنّى إلى أدنى خطوط (تحت الفقر)، ما يجعل حاضنة الأسد الحقيقيّة غير متمسّكة به، كما كانت.
أمام هذا المآل لحال نظام الأسد، تتكاثر الأسئلة وتتشعّب وتتعقّد، وتغدو كرتها المتدحرجة متسارعة التضخّم، حتّى في عزّ صيف المنطقة الذي يعتبره البعض أنّه جديدها بعد مئة عامٍ من تنفيذ "سايكس بيكو". فهل اتّخذت أميركا قرارها بإسقاط نظام الأسد، وبمقدّمة عنوانها قانون قيصر؟ وهل إشارات الروس إلى بدائل قادمة ليست مخادعة، وتأتي إمعاناً في الإذلال لمكاسب أكثر من دون التخلّي؟ وهل يستطيع الحليف الإيرانيّ أن يكون منقذاً وهو في تخبّطاته الكثيرة؟
نظام الأسد يبدو اليوم كشجرة شبه معطوبة، تتقاصر جذورها في تربة تزداد هشاشة، وقد أُتخِمَت نَخْراً وغدت قابلة للانكسار أمام كلّ هبّة ريح ذات إرادة. ذلك هو السؤال الأهم: هل هناك هبّة ريح ذات إرادة لإنهاء حكم بشار الأسد بعد عشرينيته، وحكم العائلة وما أنتجته من منظومة بعد خمسين؟ أم أنّ الدور الوظيفيّ ما زال قابلاً للإنعاش وإنْ سريريّاً، وأنّ النظام العالميّ الذي جعل منظومة الأسد ضِمْنَ نسيجه لم يتنهِ بعد، من إتمام تهيئة المرحلة المقبلة؟ سؤال هو الأصعب تحديداً، ربّما تجيب عنه قادمات أيّام قليلة، وقد يبقى زمناً إضافياً يحدّده الصانعون.