حكاية 3000 متجر مثلّجات يديرها إيطاليون في ألمانيا

03 اغسطس 2014
الفقر وأحلام النجاح نقلا بوظة إيطاليا لألمانيا (دي آغوستيني/Getty)
+ الخط -
تُختصر حكاية انتقال البوظة إلى ألمانيا برجلٍ إيطالي يُدعى بيترو، كان في الأرجنتين، وفي لحظة صفاء ذهنيّ، لحظة مغامرة، قرّر أن يستمع إلى صوت الريح، ويتّجه نحو ألمانيا، إلى روسلدورف تحديداً. لولاه لما عرفت ألمانيا مذاق البوظة. 

حكاية بيترو بدأت في موطنه الإيطالي، مدينة مرسيليا، حيث كان له موعدٌ مع الحظّ خلال انتظاره سفينة تُقلّه إلى الأرجنتين، محطّته المنشودة. طال الانتظار حتّى جاءت سفينةٌ أُخرى، فقرّر السفر على متنها مستبدلاً وجهة سفره، كما يروي حفيده بعد سنوات: "رمى جدّي  قبّعته، وسمع نداء الرياح، التي طلبت منه أن يذهب شمالاً إلى ألمانيا".

أيّ شمالٍ كان ينتظره وأيّ نجاح كان يُهيّأ له هناك؟ ماذا لو لم يستمع بيترو إلى صوت الريح؟ ماذا لو لم يتبع نصيحتها؟

بالطبع ما كنّـا سنروي الحكاية اليوم، لولا استسلام بيترو لصوت الريح، ولكانت ألمانيا حُرِمَت من مذاق البوظة لوقت طويل. فيومها كانت روسلدورف تشهد حركة قدوم كبيرة للمهاجرين الإيطاليين. وكان الجدّ بيترو من أوّل الواصلين مع وصفةٍ سحرية لتحضير البوظة.

افتتح محلّه الخاص ببيع البوظة في عام 1912. لكنّ مهنته بدأت قبلها بزمن، حين بدأ يبيع قطع  الجليد الأولى على الطرق. وفي عام 1926، افتتح المقهى الأول وأصبح محل الآيس كريم أكبر. ثم توفّي الجدّ المؤسّس في عام 1963، فثابر الحفيد دانييل، وزوجته، للحفاظ على تقاليد العائلة، التي تُشكّل صناعة البوظة أهم دعائمها.

طوّر دانييل عمل المطعم ، فراح يُقدّم 18 نكهة للآيس كريم. ولكي يُحافظ على سير المهنة، قرّر توسيع قائمة المطعم لتشمل أطباقاً أُخرى تُقدَّم خلال شتاء ألمانيا البارد، ومنها أطباق من الحلوى الساخنة، وأنواع من الكيك تُضاف إليها كرات من البوظة. 

يتفاخر دانييل الحفيد باتّباعه طريقة تحضير البوظة التقليديّة، التي اتّبعها الجدّ بيترو. فحليب البوظة يُغلى على لهب الغاز، ويوضع في أواني الزنك، كما يستورد عجينة كستناء خاصّة من لومباردي. أمّا الفستق فيُصرّ على استيراده من  صقلية.

تُشبه قصّة البوظة في ألمانيا قصّة الفقر والحاجة في إيطاليا، التي أنتجت، حتّى يومنا هذا، افتتاح 4000 محل آيس كريم في ألمانيا، يُدير الطّليان 3000 منها، إذ لم تكن ألمانيا وجهة الجدّ بيترو وحده. ففي عام 1850، شكّلت ألمانيا مفرّاً ومقرّا للعديد من العاطلين عن العمل في إيطاليا.

وكان تأسيس محلّ للبوظة حلم كثيرين. فهو مشروع عمل ناجح يدرّ مبالغ لا بأس بها من المال. لذلك توجّه كثيرون إلى مدينة فايمار، مدينة الكاتبين الشهيرين غوتيه وشيلر. هناك يُعتَبَر بيع البوظة جزءًا من ثقافة المدينة. فقد أبدع الطّليان في هذه الصناعة، وأضافوا العديد من النكهات والوصفات، مما قلَب المعادلة لتنتشر مقولة "البوظة اللذيذة اختصاص الطّليان في ألمانيا".

من أهم المقاهي، التي تشهد على ذلك: مقهى مونهيم، في برلين، الذي افتُتِح عام 1928، ولا يزال صامداً في مكانه. ويُعتبر أوّل محلّ لبيع البوظة في برلين. فيشكّل علامة فارقة في ذاكرة المدينة، كما تروي مالكته الحاليّة، التي كان حلمها بيع البوظة. أما أوّل محل بيع بوظة في النمسا، جارة ألمانيا، فافتُتح عام 1668 وأسّسه فرانشيسكو دي بروسوبيو، الطاهي السابق للملك لويس الرابع عشر، وهو إيطاليّ الجنسية أيضاً.

وبذلك أصبحت البوظة الإيطالية في أوروبا جزءًا من تاريخ شعب مهاجر، وجزءًا من ثقافته، ومن أحلامه أيضاً. أمّا سرّ وصفتها ساحرة المذاق فيحمله صاحبه معه أينما ذهب.

المساهمون