حكاية الرجل الألماني الذي يشجّع البرازيل ولا يخون بلاده

10 يوليو 2014
الرجل الألماني مع رفاقه الذين يحبّونه رغم "برازيليته"
+ الخط -
 
في مكتب الإذاعة الألمانية حيث أعمل، وهي محطة إذاعية محلية تدعى SRB، علم كبير واحد، يواجهك وأنت تدخل المبنى، يُعلَّق في بداية كل مونديال. ليس العلم الألماني كما يمكن أن يتوقع كثيرون، بل هو علم البرازيل، يعلّقه المذيع المسّن، الرجل الذي سيُحال قريباً إلى التقاعد، والذي خلال فترة عمله لم يتمنّع أبداً أو يتردّد في تشجيع البرازيل. حتّى لو كانت في مواجهة منتخب بلده. وكان يرفع علمها خلال المونديال. قابلته بعد الهزيمة التي مُنيَت بها البرازيل أمام منتخب بلاده. لم يكن يتكلم أو يثرثر كثيراً كعادته، لازم الصمت، سبعة أهداف يصعب تحمّلها، يصعب تحمّلها إذا كنت محاطاً بمشجّعي البرازيل، فكيف إذا كنت محاطاً بمشجّعين ألمان. لذا سارعت لأرى إذا ما كان قد تم إنزال العلم البرازيلي أم لا، فوجدته لا يزال في مكانه، لا أحد كان ينتظر هزيمة البرازيل ليركض وينزل العلم، أو يحرقه أو يمزّقه ويصرخ: طحنّا البرازيل. 
صحيح أنّه كثرت تعليقات الزملاء من حوله، لكن بقيت ضمن تناقل الأخبار والتعليق عليها وتحليل أسباب الخسارة. وما كان منه إلا أن يشيح بوجهه أحياناً أو يلتهي بتناول طعامه أحياناً.
الزميل الألماني المسّن كان حزيناً بالفعل، فهو يحب فريق البرازيل منذ وقت، وتعجبه طريقة أدائه. لكنّه، مع علمه البرازيلي المعلّق في مدخل البناء، يشكّل رمزاً وحالة مميّزة لمعنى الحرية. الحرية التي يتمتّع بها المواطن الألماني. الحرية التي تتجاوز التعريفات المألوفة، لتصل إلى تقديس كل خيار فردي. فلا أحد من زملائه خوّنه، أو شكّك في وطنيته. لم يُفصَل من عمله، ولم يستدعه رجال الأمن ليتأكّدوا من حسن سلوكه وحبّه للوطن. هو احترام الخيار، أيّا كان هذا الخيار. فالرجل مُجدٌّ في عمله، مهنيٌ ومحترف يقدّم ما يُطلَب منه على أكمل وجه، وهذا ما تحتاجه ألمانيا منه. أما أن يشجّع منتخب ألمانيا أو منتخب البرازيل، فهذا ليس من شأن أحد.
فكرت بسرعة في مشاعر المواطنة لدينا، وكيف نجسدها، وكيف نعبر عنها، وتذكرت ما كُتِبَ وتُدَاول حين لعب منتخب الجزائر ضدّ منتخب ألمانيا. كثيرون يومها اعتبروا أنّ عدم تشجيع الفريق الجزائري هو نوع من الخيانة، ولا يمكن إلا أن يندرج تحت بند عدم الانتماء العربي والنقص في المشاعر الوطنية. باختصار هكذا نرى نحن الوطن وهكذا هم يرونه. 
حتّى الشباب الذين نادوا، ولا يزالون ينادون، بالحرية، ما زالوا يقبعون تحت مطرقة الوطنية المُؤطّرة والمُغلقة، وما زالوا يحاكمون بعضهم، والآخر، بحسب دستور مشاعر وانفعالات ورؤية قديمة. 
المساهمون