ويلخّص قديح لـ"العربي الجديد" ما جاء في الكتيب، ويبدأ بالحديث عن عمله في مدينة يافا في مجالي الزراعة والتجارة، متحدثاً عن كروم اللوز والبرتقال والبطيخ، وعن مساحات الأرض المزروعة بالقمح والشعير، موضحاً أنّ تلك الأراضي تمّت السيطرة عليها في أعقاب أحداث النكبة عام 1948.
يقول إنه عمل في يافا في بساتين البرتقال، حيث كان مشرفاً على مجموعة من العمال، وكذلك في مطحنة للقهوة عام 1931 في المدينة نفسها، حيث كان يقوم بتحميص البنّ وطحنه وتوزيعه على المقاهي. كما أنّ ذاكرته تحفظ اسم صاحب الدكان الذي عمل به، ويدعى سليم فضل في سوق الصلاحي بيافا.
ويسترجع المعمّر الفلسطيني كذلك مشاهد وضع السلك الفاصل عام 1951 بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، حينما تقدّمت 9 عربات عسكرية مصفحة؛ ثلاثة منها للجيش المصري، وثلاثة للإسرائيليين، وثلاثة أخرى تعود لمراقبين دوليين، نحو قريته خزاعة لوضع الحدود التي تفصل القطاع عن المناطق التي احتلتها إسرائيل. ويوضح أنّ قريته بعد مرور أشهر عدة من تاريخ النكبة، اكتظت بالعائلات المهجّرة من مدنها الفلسطينية، خصوصاً من سلمة في قضاء يافا، ومدينة بئر السبع.
ويسرد قديح حكايته مع إحدى المعارك في تلك الفترة، والتي دارت بين الجيش المصري والاحتلال الإسرائيلي شرق خزاعة، قائلاً إنه نتيجة الاعتداءات وبعد قتال شديد، خرج الجميع من القرية واتجهوا نحو مدينة رفح في سيناء ومكثوا فيها أربعة أشهر. ويشير إلى أنّ القوة التي استخدمها جيش الاحتلال في ذلك الوقت كانت كبيرة، وأدّت لارتكاب مجزرة فظيعة، فيما لم يكن لدى الفلسطينيين البسطاء في حينه أي أسلحة للمواجهة.
وعلى مسافة 10 كيلومترات فقط من محل إقامته الحالي في غزة، وضمن الأراضي المحتلة عام 1948، تقع أرض تعود ملكيتها لقديح، ولكن يمنعه السياج الشائك الممتد على طول الحدود، من الوصول إليها. ويقول المعمّر الفلسطيني بحسرة وألم: "أرضنا أمام أعيننا ولا نستطيع الاقتراب منها... أنا لدي 4 قطع أرض كانت مزروعة بالبطيخ والقمح والشعير، ولدي حنين كبير للعودة إليها واسترجاعها، كما لدي شوق كبير لأن أعود وأبنائي وأحفادي كي نموت على ثرى تلك الأرض". ويتابع "سلبوا حريتنا وممتلكاتنا وحرمونا من حقنا في التوسّع في هذه المساحات الشاسعة من فلسطين التاريخية"، مشيراً إلى أنّ ذلك تمّ على وقع النار والقتل والتدمير والخراب، ولم يقم أحد ببيع أرضه كما يزعم البعض اليوم.
"أحداث سوداء" هو الوصف الذي يستخدمه قديح عند تذكيره بنكبة فلسطين عام 1948، حين قضمت إسرائيل مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وسيطرت على البلدات والقرى وهجّرت أصحابها منها. وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة على التهجير، إلا أنّ هذه الأحداث ما زالت عالقة بذهن المعمّر قديح، الذي يؤكّد أنّ الفلسطينيين لم ولن ينسوا أراضيهم المحتلة، التي كانت "جنة الله على الأرض"، وفق تعبيره.
وفي السياق، يشير قديح إلى أنه في العام 1948، كان يمتلك سيارة من مخلفات الاستعمار البريطاني، وكان يذهب بها إلى يافا والخليل ويجلب العنب ويبيعه في غزة وخان يونس، لافتاً إلى أنّ الفلسطيني كان يتجوّل بحرية في كل ربوع الوطن، على عكس اليوم، إذ يحتاج إلى "ألف تصريح" ليتمكن من التنقل.
ويرى قديح أنّ إسرائيل استولت على الأراضي الفلسطينية بـ"العربدة والقتل والتدمير والتشريد"، وأنه رغم ذلك "ظلّ الفلسطينيون متشبثين بأرضهم، ولم يتخلوا عن أي شبر منها لأنها أرض الآباء والأجداد". كما أنه يجزم بأنّ الأرض ستعود بالقتال والقوة وبالوحدة وبصلابة الموقف الفلسطيني، وأنّ كل الأثمان والإغراءات التي يروّج لها (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، (في إشارة إلى خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن")، لن تعادل حبة تراب واحدة من فلسطين، ولن تدفع الفلسطينيين للتخلي عن أرض وطنهم التي ارتوت بدماء وتضحيات الشهداء.
وعن التعويض ومشاريع الوطن البديل، يقول المعمر الفلسطيني "بلسان كل فلسطيني: لن نقبل التعويض ولا التوسّع نحو سيناء، هذه أرضنا ونحن أولى الناس بها، وسيبذل كل فلسطيني الغالي والنفيس للوصول لحلم تحرير الأرض".