حكام العالم يستعينون بمشايخ التجانيّة

07 يونيو 2015
يمتد أتباع الطريقة شمال أفريقيا إلى شرقها وغربها (Getty)
+ الخط -
تعدّ التجانية إحدى الطرق الصوفية الأكثر تأثيراً في دول غرب أفريقيا، ويتبعها أكثر من 80 مليون مسلم غالبيتهم في المغرب وموريتانيا والسنغال ومالي وغامبيا وغينيا وتشاد وسيراليون. وعلى مدى ثلاثة قرون، شكلت التجانية جزءاً من تاريخ وهوية هذه البلدان. في جعبة الناس قصص وأساطير كثيرة حول القدرات الخارقة للمتمرّسين فيها، وحكمتهم في حل المشاكل وتخطي الأزمات.

ولعل أهمية الظاهرة الصوفية في غرب أفريقيا، جعلت بعض الحكام يستمدون شعبيتهم من مشايخ التجانية الذين يملكون مؤسسات دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ولديهم قدرة على التأثير في ما يعرف بالدبلوماسية الروحية.

ويتداول المنتمون إلى التجانية قصصاً كثيرة حول علاقات شيوخهم بالحكام في الدول العربية والأفريقية والأوروبية، حتى إن بعضهم عملوا كمستشارين روحيين لهم قبل اصدار أي قرار أو عقد لقاء. ويتحدثون بإعجاب عن شيوخهم وأهمية التجانية كطريقة عبادة وأسلوب حياة للتغلب على مشاكل العصر.

ويزعم التجانيون أن الرئيس الراحل صدام حسين بعث إليهم يستنجد بهم حين همّ الغرب بإسقاط نظامه، وعرض عليهم إرسال طائرة مليئة بالدولارات، وألحّ في طلب مساعدتهم الروحية بعدما علم بقدراتهم الخارقة وحكمتهم وقدرتهم على حلّ المشاكل والأزمات. استجابوا لطلبه واشترطوا عليه أن يأتي إلى مدينة كولخ، معقل التيجانيين في السنغال، ويخدم حول جامع وضريح الشيخ ابراهيم نياس تواضعا لله، فينتصر، لكنه رفض العرض.

في السياق، يقول الباحث المتخصص في الطرق الصوفية سعيد ولد محمد السالك، إن انتشار "ظاهرة التجانية أصبح لها تأثير على حياة الناس، وخصوصاً لناحية النأي بالشباب عن التيارات المنحرفة والمتطرفة. كما أنها تساهم في نشر الدين الإسلامي واللغة العربية في أفريقيا".

ويشير إلى أن التجانية "طريقة صوفية نسبت إلى أحمد التجاني (1737 - 1815)، وهو مؤسس الطريقة والزعيم الروحي للتجانيين، وتتلخّص في الأوراد والأذكار والأدعية التي أمر الشيخ بتلقينها لمن يطلبها". يضيف لـ "العربي الجديد" أن عائلة مؤسس الطريقة التجانية هاجرت من إيران واستقرّت في الجزائر، حيث ولد أحمد التجاني عام 1737 في قرية عين ماضي. وبعدما حفظ القرآن الكريم ودرس العلوم الشرعية، تنقّل بين فاس وتلمسان وتونس والقاهرة ومكة المكرمة والمدينة المنورة ووهران، وتأثر بمشايخ الطرق الصوفية، ثم استقرّ في فاس التي كان فيها عدد كبير من العلماء، وظل يدرس حتى أنشأ طريقته عام 1783".

واهتم التجاني بالكتب من كل صنف. ويتضح ذلك في مؤلفاته التي أشار فيها إلى عدد كبير من المراجع والمؤلفات التي ضمتها مكتبته. مع الاشارة إلى أنّ الكثير من مؤلفات التجاني لم يصل إلينا، بسبب ظروف مختلفة. وكان لثقافته تلك انعكاس لاحق على أتباعه من التجانيين الذين يملكون حتى اليوم الكثير من المخطوطات الثمينة المختلفة التصنيفات.

إلى ذلك، يضيف السالك أنّ "مدينة فاس التي احتضنت أحمد التجاني ووجد فيها مجده وأسس فيها مركزه، يحج إليها اليوم شيوخ أجلاء وعلماء أفاضل، توحدوا جميعاً في حب التجانية".

ويرى أن "التصوّف كفيل بحل المشاكل التي نعاني منها"، مؤكداً أن الطريقة التجانية التي ترتكز على حب الخير والآخر، تساعد في إبعاد الشباب عن المشاكل، من خلال الحث على مداومة الاستغفار الذي يمكن من خلاله محو الرذائل المدمّرة للإنسانية.

بدورها، تشير الدراسات إلى أن أتباع التجانية يتزايدون بشكل كبير، وينشرون الإسلام واللغة العربية في كثير من الدول الأفريقية، من شمالها إلى شرقها وغربها، ويوظفون الأمور الروحية والشخصية والسياسية في علاقاتهم بقادة العالم.

يقول الشيخ أحمد ولد سيان (52 عاماً) الذي يتبع التجانية منذ 22 عاماً، إن "تأثير الطريقة التجانية في الدول الافريقية يمتد إلى الدول العربية، ويلجأ بعض القادة إلى استشارة شيوخ التجانية قبل اتخاذ قرارات سياسية وشخصية".

يضيف سيان لـ "العربي الجديد" أن "استخدام الحكمة لصالح بعض رؤساء الدول والقادة، ومعرفة المستقبل منحا شيوخ التجانية مصداقية لدى قادة العالم. والأمثلة حول استخدام التجانيين لعلم الفراسة والتوقعات الصائبة كثيرة. وقد تولى شيوخ التجانية حمل الرسائل الدبلوماسية بين القادة في عدد من الدول". ويؤكد أنه "في ظل انتشار التجانية في أوساط النخبة، وزيادة شعبيتها لدى الطبقة الكادحة، كثر الحديث عن سلطة المشايخ التي لا يمكن لأي رئيس في دول غرب أفريقيا أن يتحداها، أو يأخذ أي قرار مهم من دون الرجوع إليها".

وتنتشر مراكز تعليم الطرق التجانية في العديد من البلدان العربية والأفريقية. وأشهر هذه المراكز هو مركز الشيخ أحمد التجاني في فاس، حيث دفن شيخ التجانيين، وتحول إلى مزار لكثير من أتباع هذه الطريقة التي يتوافد عليها أتباعها من دول عربية وأفريقية عدة كمصر وتونس وموريتانيا والسنغال ونيجيريا ومالي طيلة أيام السنة، وبالأخص في عيد المولد النبوي ورأس السنة الهجرية.

إقرأ أيضاً: مخطوطات موريتانيا تختبىء في البيوت
دلالات